كتاب الرأي

رسالة مفتوحة إلى السيد الرئيس عبد المجيد تبون


سيادة الرئيس

أنا مواطن مغربي عادي. أعلم انه ليس مقبولا مني ان ابعث لكم هذه الرسالة المفتوحة. لكني ترددت كثيرا، لأَنِّي اعلم انه ليس من اللياقة ولا من اللباقة ان يراسل مواطن عادي جدا من دولة مجاورة رئيس دولة مجاورة أخرى. لأن العادة جرت أن تكون المراسلات بين رؤساء الدول وليس بين مواطن ورئيس دولة، غير أن الظرفية السياسية والأدبية هي التي فرضت علي هذه المبادرة، وإنه مجرد رأي شخصي، لا أقل و لا اكثر.



بقلم: الكاتب: جميل عبد الكريم

يلاحظ الجميع سواء في المغرب أو الجزائر أن هذا التنافر الذي بين بلدينا طال بشكل لم يعد مقبولا منا نحن الجيل الذين عاصرنا هذا الداء ولا من طرف الأجيال التي كبرت معه، ولا من طرف الحاليين سواء عندنا أو عندكم.


ولكن الذي دفعني أكثر أن اكاتبكم أو قل الذي استفزني، هو لما اطلعت على فيديو لكم مع بعض الصحافيين وفي قصر المرادية، بمعنى أن الأمر كان رسميا ومقصودا ومحضر له. وسوف اتي على ذكر ما ورد فيه فيما بعد. ….

واسمحوا لي سيادة الرئيس أن أكون معكم واضحا، لحد الوقاحة بعض الشيء، بعض المرات. وهذا لن يفسد للود قضية، ولن ينقص من احترامي لكم وللشعب الجزائري شيئا.

إسمحوا لي، السيد الرئيس، أن أذكركم بأن ملكنا محمد السادس، حفظه الله، قال: إن المغرب لا ينظر لعلاقاته مع الدول الأجنبية إلا من خلال نظارات الصحراء المغربية (قضيتنا الوطنية الأولى). ونحن، كذلك لا نرى علاقاتنا مع الدول، أكانت شقيقة أو أجنبية إلا من خلال نظارات محمد السادس، أتدري لماذا؟ لأن محمد السادس يرى بأعين شعبه، ونحن الشعب لا نرى إلا من خلال أعين ملكنا محمد السادس. فهناك تطابق وانصهار وانسجام تام ومطلق بين الملك والشعب. فالشعب هو الملك، والملك هو الشعب. لا انفصام بينهما… إذن لماذا كل هذا التحرش بالمغرب ؟! ولماذا كل هذا الكلام الفارغ، المخزن، المخزن، المخزن…إلى متى، السيد الرئيس؟  نحن لا نتحرش بكم ولا بغيركم على الإطلاق… ولقد أكد ذلك ملكنا محمد السادس عدة مرات في خطبه الرسمية، بل دائما ما يمد لكم يد المصالحة، ويؤكد أنه لن يأتيكم من المغرب أبدا لا شر ولا سوء… أفما عييتم بسياستكم هذه؟! وقد أشرفت على نصف قرن من الزمن !؟ ولم تجنوا منها سوى الخسارة بعد الخسارة والفشل بعد الفشل (حتى لا أقول شيئا اخر). المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين، كما جاء في الحديث الشريف، فاتعظوا من فضلكم.

لماذا لا تفتر سياستكم على تعبئة الشعب الجزائري على استعداء شقيقه المغربي… أما استحييتم أن تدرسوا الطلبة الضباط في المدرسة العسكرية شرشال عقيدة كره المغرب، وأنه هو العدو… وإنكم تربوهم على أن العدو لا يأتي إلا من غرب الجزائر !؟ بل انتقلتم لتلقين أطفال المدارس على هذا المنكر… عيب سيادة الرئيس…

لن يأتيكم من المغرب إلا الخير لأن المغاربة يرون أنفسهم والجزائريين شعبا واحدا في دولتين… وإنكم لو وضعتم يدكم في يد المغرب لاستفدتم ولربحتم من التقدم الذي يشهده المغرب بنفس المستوى…فنحن نشهد تنمية شاملة على جميع الأصعدة اقتصادية واجتماعية وحتى رياضية… ودون أدنى شك فإنكم تتابعونا في أدق الأمور…

فحتى على المستوى الكروي، فقدتم المراكز التي كُنتُم فيها، ولن تعودوا لها أبدا، أو على الأقل في المستقبل المنظور…

لم تستطيعوا حتى الحصول على شرف استضافة كاف 2027، ونالته دول خلفكم في كل شيء … أما كأس العالم، فهو حلم لن يتحقق لكم أبدا ما دمتم تنتهجون نفس السياسة… ولو كانت علاقتكم معنا طبيعية وطيبة، ألم يكن أحرى بِنَا أن نطلب استضافة كأس العالم بيننا في المغرب العربي…؟! لكنكم تصرون على العناد، فماذا تريدون من المغرب أن يفعل ؟!

الجزائر دولة غنية ببترولها وغازها وبثرواتها المعدنية الباطنية وبشعبها الذكي… وربحت من صادراتها الملايير المتعددة من الدولارات… ولكن أين صرفت؟ وأين وظفت كل تلك العائدات؟ في شراء خردة السلاح وتمويل السياسة الخارجية المعاكسة للمغرب. فما جنيتم؟ لا شيء …حتى مسجد العاصمة الذي كُنتُم تودون أن يكون أكبر من مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء، لم تنته به الأشغال لحد الان، وبعد مرور سنوات طوال، ورغم صرف أكثر من ثلاثة ملايير دولار أو يورو عليه!

حتى على مستوى التعليم، وأحصر مثالي على قياس مدرسة البوليتكنيك الفرنسية بباريس. وأنتم تعلمون أن من يتأهل لها إلا نخبة النخبة من طلبة الرياضيات والفيزياء. فلقد استطاع 41 طالب مغربي من الولوج الى هذه المدرسة القيمة في السنة الجامعة 2023-2024، في حين لم يتمكن من الولوج إليها إلا طالب واحد (1) من الجزائر، و10 طلبة من تونس. ألا ترون إلى أين أنتم ذاهبون؟

 
قبل فترة من الزمن، وفي ندوة صحافية مع التلفزيون الجزائري، وهذا هو الموضوع المشار إليه أعلاه، وفي سؤال لأحد الصحافيين لكم سيادة الرئيس، حول صناعة السيارات بالمغرب، لم تترددوا، ومن غير أدنى مروءة، وبشكل فيه تهكم وإهانة واستصغار لقدرة المغرب وأبنائه على فعل أي شيء له قيمة!  حيث قلتم إن المغرب لا يصنع شيئا، وكل ما يفعله هو نفخ الإطارات/العجلات بالهواء، ليس إلا…


طيب، ولكن، يا سيادة الرئيس، ولنفترض جدلا أن كلامك صحيح، وهو بكل تأكيد مجانب للصواب وللعقل وللمنطق. ألا تعلم أن هذا الذي تسميه النفخ، يدر على خزينة الدولة 14 مليار أورو سنويا(سنة2024)، وكان في ازدياد مضطرد سنة بعد أخرى، ويوفر لأبنائنا أكثر من 350 ألف فرصة منصب شغل، ويساهم في تحريك الاقتصاد بشكل إيجابي كبير. ونحن الآن، والحمد لله، إن لم يكن في علمك، أن القيمة المضافة للمغرب في هذه صناعات السيارات وصلت 68% من التصنيع الكلي، ونحن نعمل لتصل، خلال سنوات قليلة، إلى 100%، كما أنه يمثل 16% من الناتج الداخلي الخام، وسيصل متم هذه السنة 2024 إلى 20%، أي بمدخول يفوق 14 مليار أورو. لقد أصبح المغرب الأول في افريقيا في تصدير السيارات (بعدما كانت جنوب افريقيا هي الأولى). إضافة إلى أن الرأسمال المغربي مشارك مع الرأسمال الأجنبي، وأن الأطر المهندسة والتقنية فهي من أبناء الوطن…

أما الطاقات النظيفة (الريح، الشمس) فلقد أصبحت لنا تجربة كبيرة فيها في حين لا وجود لها على الإطلاق في الجزائر. رغم توفر كلا البلدين على نفس المقومات الجغرافية (شمس دائمة وصحراء شاسعة وكبيرة ورياح).

ويحتل المغرب في الطاقة الهيدروجينية ترتيبا مشرفا على المستوى العالمي وهو السابع. وعلى المستوى الأفريقي والعربي الرابع، ويؤكد الخبراء أنها هي البديل للبترول، مستقبلا.

وستتحقق إنجازات كبيرة أخرى، بإذنه تعالى. أتدري لماذا، يا سيادة الرئيس؟ لأن لنا سياسة رشيدة تحكمنا وتسيرنا، ونحن ملتفين حولها، ولا نلتفت إلى من همه الوحيد هو التحرش بِنَا وبوحدتنا… ولا نلتفت إلى من أنفق كل أموال وخيرات الشعب الجزائري الشقيق على معاكسة المغرب، بدعمه لكيان وهمي، لن يرى النور أبدا. فلتكن سيادتكم مطمئنة.

 
التحرش بالمغرب

أتعتقدون، سيادة الرئيس، أن ما قمتم به في العرجة، بالقرب من فجيج، أو ما قمتم به في زلمو، بالقرب من مدينة بوعنان، أو قتلكم للشباب الذين دخلوا بالخطأ في حدودكم البحرية في السعيدية، صاحب الجيت سكي، وحتى قطعان الماشية التي تعبر الحدود، وهي ترعى لم تسلم من رصاص جنودكم أو مصادرتها، بل وحتى أطفالنا دون 17 سنة أعضاء فريق كرة القدم لم يسلموا من أذاكم، حيث أشبعتموهم ضربا وركلا ورفسا في ملعب وهران والعالم كله يتفرج، وأمام أعين الشرطة ورجال الامن، والذين لم يحركوا ساكنا. لماذا؟ لأنهم تغلبوا على الفريق الجزائري في كرة القدم وفوق أرضكم !!! فهذه لا تعدو كونها رياضة، هدفها نشر المودة والإخاء، ليس أكثر. فما هذه أصول الضيافة، ولا أخلاق المضيف!


وحتى في كأس العرب للمنتخبات المحلية، وبعد أن فاز فريقكم على فريقنا… وسلموا الكاس للجنرال سعيد شنكريحة، وهو الذي لا يفتح فمه تبسما أبدا، كشر عن أسنانه في ابتسامة ماكرة، كلها شماتة ونكاية في المغرب… حنا غلبنا المروك! ماذا يعني هذا؟ أنك حررت القدس! ومتى كانت الكأس تسلم لجنرال ؟! إلا في الأنظمة الديكتاتورية العسكرية!


لا تخلوا السياسة الجزائرية من عنتريات وفقاقيع. أما قولكم، سيادة الرئيس أن الجزائر قوة ضاربة! ضاربة في أي شيء؟! إن قلتم في معاكسة المغرب؟ سأتفق معكم، وإن كُنتُم تقصدون شيئا اخر فلا وجود له…

محاولاتكم إيقاف نهضة المغرب وشلها، وزعزعة استقراره باستفزازاتكم الدائمة لن تجدي نفعا، وسعيكم إلى عرقلة النهضة الشاملة والاستثمار في الصحراء المغربية برا وبحرا، لن تجدي في شيء، بل وكما تلاحظون دائما ما تكون عكسية عليكم وإيجابية على المغرب.

وما يتضح من خلال عدوانكم على مدينة السمارة (2023) عبر كلب صيدكم (البوليساريو)، أنكم تخططون لأكثر من ذلك. أنكم تريدون إيقاف التحضير لكأس العالم، وإيقاف المشاريع الكبرى للمملكة، وإفشال المغرب في كل بادرة تنموية يسعى إليها، ولكن سيادة الرئيس، تعقلوا، ولا تتخذوا من الانفعالات قرارات، ربما تسؤكم فيما بعد، وستندمون من حيث لا ينفع الندم.

 حرب الرمال

إن أسباب ما اصطلح عليه بحرب الرمال سنة 1963، هو كما يلي:

سلمت فرنسا السلطات إلى يوسف بن خدة سنة 1962، وانقلب بومدين على بن خدة، وكون حكومة أعطى رئاستها لأحمد بن بلا واحتل هو وزارة الدفاع…ثم دخل في معركة مع رؤساء المناطق الداخلية وأنصارهم من الحكومة المؤقتة لأنهم كانوا يطالبون بتقاسم السلطة مع كل من جاهد في تحرير الجزائر، وليس فئة دون أخرى، فقتلهم تقريبا جميعا، إلا من بعضهم. فاستتب له الأمر نسبيا.


فكان له أن يفكر في مكيدة أخرى حتى يخضع الباقي إلى سيطرته، فكانت الحيلة التالية (ولا داعي لذكر من تأمر وخطط لها معه الان) تقتضي بأن يقوم بهجوم على المغرب (الذي آواه)، وذلك بقيادة كابرنات الجيش الفرنسي (وكان من بينهم سعيد شنكريحة الحقود، وكانت رتبته العسكرية يومئذ ما بين كابران وأجودان)، ليوهم، في خدعة مدروسة ومؤامرة مبيتة، من تبقى من القادة المجاهدين في جيش التحرير الشعبي أن الجزائر تتعرض لغزو من المغرب. وأن عليهم أن يهبوا للدفاع عن الجزائر الوليدة والمكلومة. فما كان من هؤلاء المساكين إلا أن صدقوا الكذبة، وأخلووا مناطقهم ومقراتهم العسكرية، وانضموا إلى جوقة بومدين ومن معهم من كبرانات الجيش الفرنسي. فتلقفتهم تلك الأيادي الآثمة والعفنة، وقتلت منهم ما استطاعت وهرب إلى المنافي من هرب، وأنهت الموضوع برمته وبشكل نهائي. ولم يبق أي معارض يحمل السلاح ضد بومدين ولا من يطالبه بالاشتراك في السلطة وقيادة دولة الجزائر الفتية. واستتب له الأمر…ثم بعد ذلك بفترة قصيرة، سينقلب على رفيق دربه ورئيسه أحمد بن بلا سنة 1965، ويعلن نفسه رئيسا للدولة ووزيرا للدفاع الجزائريين. هذا باختصار شديد.


وللعلم فان ما اصطلح عليه بحرب الرمال لم تدم سوى ثلاثة أيام…ولكن ومع الأسف الشديد فتهمة الهجوم ألصقت زورا وبهتانا بالمغرب، ولم يصدق أحد براءة المغرب منها، كبراءة الذئب من دم يوسف.

 الزبدة وفلوس الزبدة

كان اتفاق تلمسان لسنة 1970 الموقع من طرف الملك الحسن الثاني وهواري بومدين، لبنة لتعاون مشترك بين شقيقين لتنمية البلدين، ولبناء المستقبل والمصير المشترك.

ولكن، وحتى تتنصلوا من تعهداتكم وتستفيدوا من الحدود ومن منجم غار جبيلات (والذي هو أصلا فوق أراض مغربية اقتطعتها فرنسا من المغرب لتوسيع وجودها في الجزائر، كمرحلة من المراحل، لأن نيتها كانت الوصول إلى مياه المحيط الأطلسي ولكنها لم تقل إن شاء الله، كما نعبر عن ذلك عندنا في المغرب.)، ولكن ماطلتم لأكثر من 50 سنة، لأنكم، وكما هي عادتكم تريدون الزبدة وفلوس الزبدة، على حد المثل البلجيكي. ولكن النية وسوء النية لا يلتقيان. المغرب احترم التزاماته معكم، وهو يتحملكم كيفما كانت الظروف.

السيد الرئيس

فرنسا ذات مؤسسات وهي وفية لطموحاتها ولسياستها التوسعية الإمبريالية، ووضعت المغرب نصب أعينها منذ القرن 18 حيث بدأت تحركاتها الاستعمارية تستهدف المملكة الشريفة…وحينما حاربها المغرب وجعلها تيأس من تحقيق أهدافها الاستعمارية كاملة أنئذ.  ارتأت أن تؤجل الموضوع إلى حين أن تعطيكم الاستقلال،  لتوكل لكم مهمة تتمة الأمر فبدأتم بتنفيذ ما تريده “ماما” فرنسا، بل عملتم على تطبيق سياستها على حسابنا أولا وأخيرا… نحن نعلم أن السياسة الخارجية الجزائرية في شقها المغربي، هي فرنسية المضمون جزائرية الشكل، وأنكم لا تقومون إلا بتنفيذ أوامرها وسياستها… بل بلغت بكم الجرأة والاندفاع، في فترات معينة، ظنا منكم أن المغرب ضعيف، فقمتم بالزج بجيشكم في أمغالا 1(يناير 1976)، ثم لم ترعووا، وفي شهر فبراير 1976، اقترفتم، ما سيبقى عارا عليكم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، هجوما ليليا غيلة وغدرا على كتيبة من الجيش المغربي الملكي، وفوق الأراضي المغربية، وذبحتم ظلما وعدوانا وجٌبنا العشرات منهم وهم نيام…  وحاولتم تكرار التجربة في بئر إنزران في غشت 1979. وجررتم ذيول الخيبة والهزيمة… وفي الكركرات؟

ماذا حصدتم؟ الخيبة. وهل حققتم شيئا ما !؟ لا شيء، سيادة الرئيس.

لكن، وفي المقابل، هل حصل وأن هاجمكم الجيش الملكي المغربي على أرضكم؟ كلا، لم يفعل ولن يفعل. لأنه جيش لحماية التراب الوطني المغربي وليس للاعتداء على الجيران أو التحرش بهم.

فهل أدركتم ما هو الفرق بيننا وبينكم !؟ نحن تقودنا سياسة رشيدة حكيمة تراعي الرحم والدين والدم وحق الجار واللغة والمصير المشترك وتتجلى في نظرة عاهل البلاد الملك محمد السادس، نصره الله، للأمور، وكذا من خلال حبه لشعبه وحب شعبه له…

 

السيد الرئيس

إن خطاب 6 نونبر 2023 بمناسبة الذكرى 48 للمسيرة الخضراء، كان واضحا جليا وفيه رسائل عديدة لمن يهمه الامر، ولمن يريد أن يفهم. لقد حدد الخطاب الملكي المعالم المستقبلية للواجهة الأطلسية، ونداؤه إلى دول الساحل كانت واضحة، وأستطيع أن أزعم أن الأمر يشملكم كذلك، إن أردتم أن تركبوا قطار التنمية معنا فأهلا وسهلا، وإن لم تشاؤوا فذلك خياركم وشأنكم…

 السيد الرئيس

ألا ترى معي، وبكل تواضع، أنه لو اتفق المغرب والجزائر، لا أقول الوحدة، كل يبقى داخل حدوده، على التنسيق في السياسة الخارجية والاقتصادية فقط…. كيف سيكونان؟ ألن يكون المغرب والجزائر قوة اقتصادية وعسكرية ولها سياسة خارجية يضرب لها ألف حساب؟ لأن كل ما يريده الشعبان لديهم. لهم عقول ذكية ومكونة، لهما أراض شاسعة زراعية رفيعة، ولهما ثروات باطنية كبيرة وغنية، ولهما موقع جغرافي استراتيجي ممتاز. ولهما قوة عسكرية رهيبة على الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط وفي مقابل الضفة الشمالية؟!.

فلهذه الأسباب ولغيرها تسعى فرنسا ألا يتفق البلدان الشقيقان أبدا، لأنهما سيكونان خطرا استراتيجيا عليها بالأساس.

نشرت إحدى الجرائد المغربية أنه في سنة 2023 بلغ الناتج الإجمالي المحلي في الجزائر 628.990 مليار دولار، وذلك بفضل قطاع المحروقات الذي يشكل الركيزة الأساسية في الاقتصاد الجزائري بحوالي 60% من الميزانية العامة، و30% من الناتج الإجمالي المحلي، و97% من اجمالي الصادرات. في حين بلغ في المغرب نصف ما هو في الجزائر، أي 314.241 مليار دولار. ورغم هذه الأرقام الضخمة بالجزائر، فهي تحتل الرتبة 104 من حيث مؤشر الفساد.

فأين هي القوة الضاربة وماذا صنعت إزاء هذا ؟ !

أما رغبنكم في الانضمام إلى دول البريكس (تأسس البريكس من مجموعة 5 دول اقتصادية في مواجهة الاقتصاديات الغربية) حيث كان اجتماع هذه السنة لهذه الدول في جنوب افريقيا. وقدمت الجزائر ترشيحها للانخراط فيه. ورغم دعم الدولة الحاضنة للمؤتمر وهي صديقة للجزائر لم يقبل ترشيحكم، في حين قبلت عضوية كل من الإمارات والسعودية وإثيوبيا، نظرا لاقتصاداتها المنفتحة والمتنوعة والواعدة. وسيتضح فيما بعد ان طلب عضويتكم للبريكس كان ابتزازا لفرنسا وليس بقصد المشاركة الاقتصادية. فما هكذا تكون مسؤولية الحكام.

لماذا المغرب يتقدم بخطى وئيدة ثابتة ومدروسة، والجزائر، ومع الأسف الشديد، تتراجع إلى الخلف، وهي واهمة أنها تتقدم؟ لأن مصيرها مرتبط أشد الارتباط بالمغرب، وكذلك المغرب. فكان أحرى بها أن تتقدم هي والمغرب بكل طمأنينة إلى الامام، يد في يد.ولكن أنتم لكم رأي اخر.

السيد الرئيس

ان ما أثمر من نهضة شاملة اقتصادية واجتماعية في المغرب هي عناصر لا توجد عندكم. أولاها هي إرادة صلبة ورشيدة، ورؤية حكيمة وبعيدة لجلالة الملك محمد السادس، علاوة على الثقة المتبادلة بينه وبين شعبه، وكذا الحب المتبادل بينهما، إضافة الى ذلك التجربة العملية التي اكتسبها المغرب على الميدان باستثماراته الكبيرة في دول افريقيا جنوب الصحراء.

 السيد الرئيس، ما افتتاحكم للمعبرين إلى موريتانيا هو أنكم أصبحتم واقعيين بعض الشيء، وإنكم أدركتم أن لا مجال لكم للوصول إلى مياه المحيط الأطلسي عبر الصحراء المغربية، وهذا ما كان عليكم التفكير فيه قبل هذا الوقت، وتردوا على اليد الممدودة لكم، من باب الإخوة، بأحسن منها، ولكن لكم واسع النظر.

لقد حقق المغرب، منذ بداية الألفية الثالثة إنجازات كبيرة وطموحة، أدخلت المغرب في حيز البلدان الواعدة اقتصاديا، وعما قريب سيصبح دولة صاعدة émergent.

لقد أصبح المغرب الدولة الأولى في افريقيا المصدرة للسيارات، بعدما كانت دولة جنوب افريقيا ولسنوات عديدة. ثم ليست هناك طائرة تحلق في السماء إلا وفيها مكونات صنعت في المغرب، ثم هناك الطاقات المتجددة وغيرها والتي برهنت على أن المغرب أصبح قادرا على تعبئة طاقاته البشرية والطبيعية، واحترامه لالتزاماته المواكبة من احترام للوقت وما يتبعه. وأعود فأقول كيف تم كل هذا؟ الجواب بسيط، فهو أولا بفضل من الله ثم بفضل من السياسة الرشيدة والحكيمة لعاهلنا، مما عزز مكانة المملكة وفرض احترام الغير لها.

السيد الرئيس، مغرب اليوم ليس هو مغرب السبعينات ولا حتى الثمانينات من القرن الماضي. لقد طور المغرب فكره، بحيث أصبح هذا الفكر قائما على التخطيط والتأطير والتنظيم، وجعله قابلا للتحول إلى واقع عملي، كما ترون وعلى جميع الأصعدة، وها نحن كل يوم، والحمد لله، نقطف من ثماره، وسنستمر في التخطيط والتأطير والتنظيم، وهكذا دواليك…

السيد الرئيس

منذ سنة 1975 ولحد الان، كم صرفتم على البولساريو ومعاكسة المغرب؟! أليست الجزائر أحوج إلى كل هذه المبالغ الضخمة، وأولى بها هي قبل غيرها ؟! تخيلوا معي، السيد الرئيس، لو صرفت هذه الأموال في تنمية الجزائر، كيف كان لبلدكم أن يكون اليوم ؟! كان سيكون أحسن وأرقى من هونغ كونغ او نيويورك أو دبي، كان سيكون في القمة في كل شيء، ولا بلد اخر يمكن أن يضاهيه !؟

 

السيد الرئيس، نظامنا في المغرب لا ينزل الى مستويات واطئة، وإنما يترفع عن المناورات، ويسمو عن السفاسف. لأنه نظام يحس بل يعرف حق المعرفة ثقل الأمانة الملقاة على عاتقه، والمسؤولية التي أناطه الله بها، فهو يقود شعبه بكل إخلاص وصدق وأمانة نحو الذرى.

إن الحدود التي تفصل بيننا والتي أصررتم وتصرون أن تبقى مغلقة، ما هي إلا حدود فرضتها الاتفاقات الوقتية مع الاستعمار الفرنسي الغاشم، حين كان يتحكم في مصائرنا (ومازال نسبيا)، وماهي كذلك، إلا نتاج ما تمخضت عنها العقلية السياسية الاستعمارية. وحتى وإن كانت قد خرجت من الباب، فستعود من النافذة، وذلك ما تم.

 السيد الرئيس، إسمحوا لي أن أذكركم بشيء من التاريخ.

ألم يعتبر محمد الخامس رحمه الله، أن بقاء الجزائر مستعبدة مقيدة هو تهديد لحريتنا واستقلالنا، لأن حريتها من حريتنا، واستقلالنا من استقلالها، بل ذهب رحمه الله إلى أبعد من ذلك، حين اعتبر أن قضية تحرير الجزائر قضية حياة أو موت بالنسبة للمغرب، وأن استقلالها هو الضمانة الأكبر لحرية واستقلال المغرب العربي وأفريقيا. وفي يوم التضامن مع الشعب الجزائري الشقيق في أكتوبر 1960 قال رحمه الله: ” بل نحن في هذا الطور الحاسم من كفاح الجزائر مصممون العزم على مواصلة التأييد لجهادها والدفاع عن قضيتها في كل مكان، ولو كلفنا ذلك أغلى التضحيات، لأن قضية تحرير الجزائر قضية حياة أو موت بالنسبة لنا إذ هي الضمانة الكبرى لاستقلال بلدنا ووحدة المغرب العربي، وحرية القارة الأفريقية جمعاء”.

وقد سار الملك الحسن الثاني على هدي والده، حيث كان يقول ويكرر أن لا مناص من التعايش، والتعامل. فهل وجدت دعوته صدى عندكم ؟! لست أدرى، على ما يبدو! وكذلك قال حفيد محمد الخامس، ونجل الحسن الثاني، الملك محمد السادس، إنه لن يأتيكم شر ولا سوء من المغرب. وكل مرة يمد يده لكم، ولا من يرد! وإذا حييتم فحيوا بأحسن منها او ردوها! إذن ماذا ؟!

 
لقد أكد جلالة الملك محمد السادس، في خطابات رسمية، وطمأنكم على الجزائر وعلى أمنها واستقرارها، وعدم الإساءة إلى الأشقاء في الجزائر، وأنهم سيجدون المغرب والمغاربة إلى جانبهم في كل الظروف والأحوال، وأن المغرب لن يكون أبدا مصدر أي شر او سوء ”

 

السيد الرئيس: يقول كارل سميث” إن السياسة هي قبل كل شيء تحديد عدو ما”، فهل هو شعار كم؟! وهل القيادة العسكرية نهجت هذا النهج، وحددت أن العدو هو “نحن” المغرب، إخوانكم؟! وعداوة الأخ أشد مضاضة من السيف المهند.

السيد الرئيس

تأسست دولة الجزائر سنة 1962بناء على استفتاء حددت معالمه فرنسا داعية الجزائريين فيه إلى الإدلاء بأصواتهم ب لا أو نعم حول سؤال: هل تريد أن تصبح الجزائر دولة مستقلة متعاونة مع فرنسا حسب الشروط المقررة في تصريحات 19 مارس 1962. بمعنى أن فرنسا كانت تريد أن تخرج من الباب لتعود من النافذة. فكانت نتيجة الاستفتاء 99,72 %، أي الاستقلال ثم التعاون مع فرنسا.

السيد الرئيس، لماذا هدف سياستكم دائما هو الهدم، وليس البناء، أو التعاون من أجل البناء !؟ لماذا عملت الدولة الجزائرية على إفشال اتحاد المغرب العربي؟ أهي تعليمات من فرنسا؟ بناء على التزامكم معها حول نتائج استفتاء الاستقلال؟!

فرغم كل المجهودات التي قام بها المرحوم الحسن الثاني من أجل بنائه لمصلحة الشعوب المغربية. ولم شمل العائلة المغاربية العربية المسلمة وجعلها قوة اقتصادية لها مالها. أبيتم إلا إن يتوقف القطار، ولا ينطلق من مكانه!

لقد كان الحسن الثاني رحمه الله، لا يتردد في مد يد المصالحة لكم ولكن كنتم ومازلتم بابون، مما جعله يعبر عن امتعاضه من سياستكم العدوانية تجاه المغرب: “ليعرف الناس مع من حشرنا الله في الجوار”.

 
السيد الرئيس، يسعى المغرب دائما لمد جسور الإخاء والمحبة معكم، ولا يتردد في طرق أي باب يمكن أن ينفتح، ولكنكم تصرون على عنادكم، وتأبون إلا أن تبقى كل الأبواب موصدة!

الاعتداء الشنيع على لاعبي المنتخب أقل من 17 سنة بملعب وهران في نهائي كاس العرب، وذلك أمام أعين البوليس والأمن الجزائريين، وقبلها وفي 2015 الاعتداءات على أنصار الرجاء وعلى الطاقم التقني في ملعب سطيف. أضف الى ذلك انسحابات الفرق الجزائرية من مختلف الرياضات في المغرب، وحتى حدود قميص بركان (ابريل 2024)، ومازال العاطي يعطي….

 
السيد الرئيس، كانت نيتكم وما زالت هي الاستثمار في قضية الصحراء المغربية، ولكنكم حصدتم الفشل تلو الفشل، وخسرتم أموالا لا عد لها ولا حصر، ولمدة خمسين سنة، وما زلتم تصرون وتلحون على الاستمرار في هذا الطريق رغم كل الخسائر التي تتكبدونها سياسيا واقتصاديا، والتي تنعكس بشكل سلبي جدا على المستوى الاجتماعي، وعلى مستوى التنمية لبلدكم وشعبكم، وعلى مستقبل الأجيال القادمة…

ولكن العاقل من يتوقف لحظة ويراجع نفسه ويقيم أعماله وأفعاله، ويصحح مساره. ولكنكم أين أنتم من كل هذا العقل !!! أليس فيكم رجل رشيد؟

 
قال الملك محمد السادس: إن ” الشر والمشاكل لن تأتيكم أبدا من المغرب، كما لن يأتيكم منه أي خطر آو تهديد، لأن ما يمسكم يمسنا، وما يصيبكم يضرنا”، ويضيف جلالته: إن”أمن الجزائر واستقرارها، وطمأنينة شعبها، من أمن المغرب واستقراره”.

 السيد الرئيس

هذه الحرب الشعواء والدعاية المغرضة (البروباكندا) التي لم تتعبوا في شنها على المغرب، والتي تؤطرها وتديرها مخابراتكم العسكرية، ما هي إلا قنابل من دخان، لن تنال من المغرب ولا من سمعته شيئا، وإنما هي حرب الفاشلين، الذين لا يشتغلون ولا يستطيعون مجاراة المغرب في اهتمامه بتنمية اقتصاده وبناء مجده وتطوير كفاءاته. إنها بروباغاندا من يسعى لتحقيق بلسانه ما لم يستطع أن يفعله بيديه وأفكاره.

المغرب محصن، والحمد لله، وملقح ضد كل الدعايات المغرضة، ولا يهمه إلا العمل من أجل مستقبله والأجيال القادمة ورفاهية شعبه…ولكن ما يقوم به إعلامكم فهو في الحقيقة موجه لتضليل الشعب الجزائري المسكين، والتغطية على فشل سياستكم، والزيادة في تضليل كل من يؤمن ب (بابا نوويل) على حد المثل الفرنسي.

 
اتخذ قرار تمزيق حدود المغرب في مؤتمر برلين 1884- 1885 على يد كل من فرنسا وإسبانيا. فكانت فرنسا تريد دفع حدود الجزائر الفرنسية إلى المحيط الأطلسي، وفشلت، لكن أتصور هذا ما تسعى إلى تحقيقه الجزائر منذ 1975 وإلى الان، بحجة تصفية الاستعمار من الصحراء “الغربية”.  فكلما سحبت دولة اعترافها بمرتزقة البوليساريو أو اعترفت دولة بمغربية الصحراء واخرها فرنسا إلا وجن جنون الجزائر. لماذا ؟ !

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الجمعة 9 أغسطس/أوت 2024
في نفس الركن