منذ أن فرض الاستعمار الفرنسي نظام الحماية على المغرب عام 1912، ومع وجود مناطق نفوذ إسبانية في الشمال والجنوب، بدأت بذور الوعي الوطني تنمو. في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، ازدادت المطالب الشعبية بالحرية في ظل تنامي الحركات الفكرية والسياسية التي قادها السلطان محمد الخامس ونخبة من الوطنيين الذين أدركوا أهمية توحيد الصفوف لمواجهة الاستعمار.
كان تحرير بيان الاستقلال ثمرة جهود قادة وطنيين بارزين مثل علال الفاسي وأحمد بلافريج، الذين عملوا على صياغة نص يعبر عن تطلعات الشعب المغربي بوضوح وقوة. ارتكزت الوثيقة على ثلاث نقاط أساسية: استقلال المغرب الكامل، وحدة أراضيه، وإقامة نظام ديمقراطي يعزز حقوق المواطنين. هذه المطالب لم تكن مجرد كلمات على الورق، بل كانت رؤية شاملة لمستقبل البلاد.
ووقع على البيان 66 شخصية وطنية، متحدين في مواجهة الاستعمار. إلا أن إعلان البيان قوبل بقمع شديد من السلطات الاستعمارية التي لجأت إلى الاعتقالات والنفي والترهيب في محاولة لإخماد الحراك. لكن الشعب المغربي ردّ بقوة عبر مظاهرات واسعة وأعمال مقاومة، مما عزز وحدة الصف الوطني بين السلطان والقادة والشعب، وأبرز عزمهم على مواصلة النضال مهما كانت التضحيات.
مع تصاعد المقاومة الوطنية، بدأت القضية المغربية تحظى باهتمام دولي، خاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث دعمت الدول العربية الناشئة مطالب المغرب بالاستقلال. وقد أثبت المغاربة أن إرادتهم الصلبة قادرة على مواجهة أعتى التحديات.
تحقق الاستقلال في 2 مارس 1956، لكن بيان 11 يناير ظل رمزًا خالدًا للشجاعة الوطنية والإصرار على نيل الحقوق. يحتفل المغاربة سنويًا بذكرى هذا اليوم، الذي يمثل درسًا للأجيال القادمة في الوحدة والعمل الجماعي لبناء مستقبل أفضل. هذا الحدث التاريخي لم يكن مجرد مطالبة بالاستقلال، بل كان إعلانًا عن رؤية متكاملة لمغرب جديد يجمع بين الحرية والتحديث.
يُعدّ بيان الاستقلال أكثر من مجرد وثيقة تاريخية تخلّد لحظة من الحرية، بل هو رسالة تتجدد مع مرور الزمن، تبرز ضرورة الدفاع المستمر عن الهوية والسيادة. يبقى هذا الحدث التاريخي أحد أبرز المعالم التي ساهمت في تشكيل الوعي الوطني المغربي، حيث ألهم الأجيال المتعاقبة بحتمية الحفاظ على مكتسبات الاستقلال والمضي قدمًا نحو تحقيق التنمية والازدهار