كتاب الرأي

تفاسير السلف إلى أين؟!


>

لا ضير في نقل تفاسير السلف باعتبارها أثر يشهد على مرحلة تاريخية من سيرورة الوحي التي نقلت عرب الجاهلية من المشاعة الدينية و الوثية و العبودية و العنصرية القبلية المتناحرة إلى الإيمان بوحدانية الله و التفاعل مع تعاليم القرآن الكريم و أحاديث الرسول و سيرته عليه الصلاة و السلام، مرحلة بناء المجتمع الإسلامي منذ أواخر القرن السادس الميلادي و ما تلاها من مراحل تشييد مؤسسة الخلافة الإسلامية عبر أجيال و دول من التألق و القوة و المجد السياسي، المعرفي، العلمي و المجتمعي،... حققت معه توسعا و انتشارا جغرافيا كبيرا، على أنقاض الفرس و الرومان، فسادت بقاعا و شعوبا كثيرة في العالم شرقا و غربا. و يشهد لها التاريخ أنها كانت بحق فاعلا معرفيا أساسيا في تنوير الشعوب الأوروبة و تحررها من تخلف و ظلمات القرون الوسطى تمهيدا لنهضتها و انتفاضتها و ثورتها الصناعية و تقدمها و رقيها و سيطرتها ...



علي تونسي : باحث في سوسيولوجيا المعرفة

 طبعا ككل الأنظمة التي مرت في التاريخ، بغض النظر عن طبيعتها لأنها ليست موضوعنا الآن، تشهد، حسب الزمن الدائري الخلدوني، بعد القوة و الهيمنة ضعفا فتترك مكانها قدرا محتوما، في إطار التنواب الطبيعي على الغلبة و الهيمنة و القوة،  لأنظمة جديدة صاعدة، فجاءت نهاية الغلبة الإسلامية و ضعف مؤسسة حكمها سياسيا و عسكريا بالتدرج و تراكم أسباب الانهيار المادية و الفكرية أمام تحالف المماليك المسيحية لشن حروب صليبية مقدسة ضد الإسلام و المسلمين و الرغبة الملحة للمماليك الإسبانية المسيحية و عزمها القوي على إسترداد أراضيهم الإبيرية من يد من يسمونهم بالغزاة العرب المسلمين بداية من سقوط المماليك الإسلامية ما بين القرن الثالث عشر و الخامس عشر للميلاد في شبه الجزيرة الإبيرية/ الأندلس، إلى انفراط حبات العقد الأندلسي الإسلامي كليا عام 1459م تاريخ تسليم بنو الأحمر/ عبد الله الصغير مفاتيح مدينة غرناطة الى الملك فردناند و الملكة إزابيلا .



فكان بذلك نهاية الغلبة العربية الإسلامية التي دامت قرابة ثمانية قرون في الأندلس/ الفردوس المفقود. مما زاد من شحنة حماس مسيحيي أوروبا للإستمرار في ترسيخ الأفكار القومية و التحالف الصليبي تلنقدسش بأشكاله و مضامينه المختلفة ضد الوجود العربي الإسلامي في أوروبا و هزمهم بعد ذلك في عقر بلدانهم الأصلية و السيطرة عليهم. فكان بعد طرد العرب و المسلمين و اليهود من إسبانيا الدور على الخلافة الإسلامية في تركيا / الدولة العثمانية التي ستنخر تماسكها القلاقل الداخلية بداية من سنة 1876م. و سيشهد الربع الأخير من القرن التاسع عشر و مطلع القرن العشرين سقوط البوسنة و الهرسك سنة 1877 / 1876 في يد الإمبراطورية النمساوية المجرية، ثم بعد ثلاث سنوات  ستحتل إيطاليا ليبيا أهم مملكة تابعة للدولة العثمانية في شمال إفريقيا، كما أنها ستفقد أكثر ممتلكاتها في البلقان بعد حروب ستشنها ضدها مماليك صربيا و الجبل الأسود و اليونان و بلغاريا .



و بعدها ستشهد تركيا عزلة سياسية دولية و ضعف خزينتها المالية بسبب استرداد الدول الاوروبية ديونها، مما سيظطرها و يدفعها بعد تخلي فرنسا و أنجلترا عنها إلى الدخول في الحرب العالمية الأولى إلى جانب دول المحور، و هو ما سيدفع ابريطانيا إلى استمالة زعماء و أمراء عرب للثورة ضد الدولة العثمانية و إقناعهم بالإنضمام إلى الحلفاء في الحرب مقابل حصولهم على استقلالهم و نقل الخلافة إليهم. ثم بعد احتلالها للعراق ستستعين بالأمير حسين  و الجيوش العربية في السيطرة على كل الشام، مما سيرسخ عزلة و ضعف الدولة العثمانية و سيزيد من استفحال و تفاقم انحلال  جبهتها الداخلية، لتظطر  معه هذه المرة إلى توقيع معاهدة مودروس للهدنة مع الحلفاء و خروجها من الحرب، حيث ستفرض عليها ابريطانيا باسم الحلفاء ما يلي :


-  1) تسريح الجيش العثماني و وضع رقابة الحلفاء على الإذاعة و التلغراف والطرق الحديدية و احتلال مضايق البوسفور و الدردنيل ومرور السفن الحربية التابعة للحلفاء من خلالها .

- 2) استسلام القوات العثمانية في الولايات العربية (اليمن ، العراق، سوريا ، الحجاز).انسحاب القوات العثمانية من إيران ومن الأجزاء المسيطرة عليها فيما وراء القوقاز .

- 3) احتلال الحلفاء لباكو وباطوم مع احتفاظهم بالحق في احتلال أية مواقع إستراتيجية في داخل الدولة العثمانية ذاتها في حالة ما إذا استجدت ظروف تهدد أمنهم وسلامتهم .

- 4) إعادة أسرى الحرب من المواطنين التابعين لدول الحلفاء دون أية شروط وإبقاء اسري الحرب العثمانيين تحت تصرف الحلفاء .


فسيترتب عن هذه الهدنة بعد مرور شهر احتلال إسطمبول و دخول البحرية البريطانية و الفرنسية و الإيطالية و الأمريكية إلى القرن الذهبي و السيطرة على الآستانة لاستعمالها قاعدة لمراقبة المنطقة كلها، مما أتاح للحلفاء  السيطرة على جميغ موانئ البحر الأسود و أقتسام أراضي تركيا ( مرسين، أضنة، أنطاكيا،كوشا داسي، قونية، القسم الغربي من الأناضول و تراقيا المتبقية من حرب البلقان الإولى ) .


 عموما ستكون الفترة ما بين (1908–1922) فترة  انحسار و اندحار  الدولة العثمانية  و تقسيم المناطق التي كانت تابعة لها في أوروبا و الشرق الأوسط و شبه الجزيرة العربية و شمال إفريقيا .



طبعا كل هذا التقدم الأروبي و صعوده على أنقاض الوجود الأغلبي للعرب و المسلمين إنما يدخل في باب حتمية التاريخ و التناوب الطبيعي بين مختلف القوى و الشعوب على الغلبة و الهيمنة .  



  بهذا تم انهيار الخلافة الإسلامية العثمانية و تفككها في بداية القرن العشرين، بعد هيمنة استمرت 600 سنة، فانتهى وجودها في معقلها تركيا، تاركة الغلبة للدول الأوروبية المتحالفة أولا يأيديولوجيا الحرب الصليبية المسيحية المقدسة ضد الإسلام و المسلمين. و التي خلفتها بعد حربين عالميتين مدمرتين قوة جديدة تتمثل بنظامين برجوازي ليبيرالي في الغرب الأوروبي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية  و اشتراكي شيوعي في الشرق بقيادة روسيا الاتحاد السوفياتي، الذي ( يا لمكر التاريخ ) تفكك هو الآخر بعد إعلانه بيان البروسترويكا و الغلاسنوست و انهيار سور برلين، بعد سبعين سنة من هيمنته و سيطرته الحديدية على أوروبا الشرقية و البلدان الإسلامية الآسيوية .


.   قلنا لا ضير في نقل إرث السلف بإيجابياته  و سلبياته لمعرفة بنيات المجتمع العربي الإسلامي و غيره من المجتمعات التي اعتنقت الإسلام دينا و شريعة. لكن الضرر هو أن يرقى هذا الإرث الى قداسة فوق قداسة الوحي لدى دهنية مهزومة، لا تريد الخروج من الأطلال و تحلم باسترجاع أمجاد السلف دون تقدير موضوعي لشروط و تحديات الواقع المعاصر، فترفض التطور/ سنة الطبيعة التي لا تتنافى مع الوحي الإلاهي، و تصر على الإدانة تكفيرا لأي مراجعة عقلانية ليس للكتاب و ثوابت السنة و إنما لهذا الإرث في شقه المتعلق فقط باجتهادات السلف  التي كانت تستجيب لشروط زمنهم .



و حتى التابعين و تابعي التابعين تراهم يصرون بقوة على رهن الزمن التطوري / المستقبلي لإبقائه حبيس تفسيرات السلف التي لم تعد لها في الواقع المعاصر و المغاير عن عصرهم أية أسس و مبررات لاستمرارها و صلاحيتها. علاوة على أن هذه الدهنية المتعلقة بأمجاد ولت و انتهت  لا  تعمل من حيث تشبتها بالماضي إلا على إيقاف عجلة التطور لمجتمعاتها و ترك ساحة التحديث بين أيدي المستعمر الغاشم يصول و يجول كيف ما اراد تدميرا و تحقيرا في المجالات الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و التأثير الأيديولوجي لتكريس و ترسيخ الاستلاب و التبعية و الإنهزامية و الدونية فيتم بذلك تشجيع سيطرة و هيمنة نظام الإمبريالية المتوحشة و تغلغله فينا و في مجتمعات ليست لخصوصياتها التاريخية و الأنثروبلوجية  وبنياتها الاجتماعة و الدهنية أية علاقة مع هذا النظام المتغطرس المتغول...
                                                

>

شعر:  
                                                                     
جال في خاطري بدر الليالي الخوالي
و أجصحت ناي الحنين ناي شوارعي
فألقت سماء الشوق لوعة لاآتي
حبات خردل تنتشي بين جبالي
عرائس واد عبقريُّ الحسان 
شعوب الأمس أمة سادت مشاعري
تسود اليوم خرافاتي.. و أوهامي
                                                      


 جال في خاطري بدر الليالي الخوالي
صاح الهزار 
أنشد زرياب موتي منذ سبع قرون
مات زرياب العود و الدف و الرباب
و مازلت أحيى منذ آلاف القرون 
ما زلت و القمر مع الأفلاك نسير
                                                     


يأمرني و بدر الليالي خاطري 
 أن أترك الموت و ظلال أطلالي
أن أقبل حبا أمواج البحار
أن أرسم الأصيل شعرا و آصالي
و شمس الربيع في أعين الصغار
و أن أزرع الأزهار في قمم الجبال

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الثلاثاء 1 أغسطس/أوت 2023
في نفس الركن