كتاب الرأي

تغطية الحدث من داخل حمام نسائي


بدون سبب قررت أن أذهب إلى الحمام أثناء المباراة التي جرت بين المغرب وكندا اليوم.
كنت أعتقد أني سأعرف نتيجة المباراة بعد أن تنتهي ، وبعد أن أعود إلى البيت.

دخلت إلى القاعة الحارة ، البرمة ، ووضعت عدتي أمامي، وبدأت طقوس الحمام ، فيما انهمكت كل واحدة من النساء المتواجدات هنا قبل وصولي في طقوسهن بصمت كان يحيطه صخب المياه الجارية .



مريم التيجي

ماهي إلا لحظات حتى دخلت " الطيابة " وهي تصفق وتخبرنا : بيت .. بيت .. المغاربة شجلو بيت..
صرخت كل النسوة بصوت واحد، وعلا الصفير من الغرفة الوسطى ..
أجلت نظري فيهن ، بينما كانت جارتي التي تجلس عن يميني ، تمسح الصابون عن وجهها، وتبعده عن عينيها وهي تصرخ : الله يعاونهم مساكن..
 
عاد الصمت دون هدوء للحظات أخرى ، لكن الانتباه كان مشدودا لمدخل الحمام، وكلما دخلت وافدة جديدة ، كان يتعالى السؤال : أمضرا ؟
لم تتأخر " الطيابة" كثيرا ، وعادت تزف خبر الهدف الثاني وهي تلف نصف جسمها بفوطة كبيرة ، وتصرخ بفرح ..
 
من وسط البخار المتصاعد ، والذي يكاد يحجب ملامح الوجوه تعالت الأهازيج : صلاااا و سلاااام على رسول الله.. يلا جاه يلا جاه سيدنا محمد.. الله معاااا الجاه العالي ...
وتعالت الزغاريد بعد ذلك ..
غادرت المبشرة ، وتركت وراءها صخب ، لم يقطعه الا صراخ طفلة على جدتها التي اصطحبتها معها إلى الحمام ، ولومها لها لأنها تأخرت كثيرا ، وقالت بغضب : بغيت نرجع دابا للدار باش نتفرج ف الماتش ..
ظلت الجدة تهدؤها وتقول لها : " راه غادي يعاودوه ، والله حتى غادي يعاودوه وتفرجي فيه.. "
الطفلة تبكي : لا ما غاديش يعاودوه ..
 
فتحت " الطيابة " باب الحمام من جديد ، مطت شفتيها تعبيرا عن الأسف .. ساد الصمت ، قالت دون أن تسأل :ماركاو علينا بيت ..
 
هدأت أهازيج الفرح ، سكتت الطفلة وتخلت عن رغبتها مؤقتا ..
 
انهمكت كل واحدة في طقوسها . .كسرت الصمت امرأة لم يعجبها هذا الاهتمام حتى في الحمام بالكرة..
 
لم أسمع جيدا كل ما كانت تقوله بسبب حركة الماء ، لكن تطايرت كلمات إلى مسامعي ، فهمت من خلالها وجهة نظرها : سمعت عبارة 17مليار...كروش الحرام ...
 
إجابتها امرأة أخرى كانت تغطي جسمها بطبقة من الحناء و الخزامى التي فاحت رائحتها حولي : تخيلي يكون عندك ولد ، ما كيسولش عليك ، وما كيديهاش فيك ، ولكن يلا سمعتي زاد عندو شي وليد غادي تطيري بالفرحة .. ايوا هاكداك حنا مع المغريب ..
 
زفت وافدة خبر الهدف الثالث ، لكن ما كادت تتعالى الزغاريد من جديد حتى دفعت " الطيابة " الباب مصححة : لا راه ما حسبوهش ليهم ..
عادت الطفلة ترفس برجليها محتجة : بغيت نخرج دابا نتفرج..
وعادت جدتها تطمئنها : والله حتى غادي يعاودوه الليلة..
سألت شابة من وراء شعرها المنسدل على وجهها : بلجيكا شنو دارو؟
جاءها الجواب من مكان ما : انت مع المغرب ولا مع بلجيكا؟
أغلقت الشابة صنبور الماء لتشرح علاقة نتيجة بلجيكا مع المغرب ، لكن لا يبدو أن أحدا فهم شيئا مما كانت تقول .. فقالت لها جارتي بنبرة مازحة : ملي قلبك على بلجيكا ، علاش جيتي للحمام، بقاي تفرجي فيها..
 
خرجت قبل أن ينتهي الحوار ، وفي الاستراحة لففت كامل جسمي بفوطة ، و وجدتني اتابع عاملات الحمام ، وهن يغرسن رؤوسهن في شاشة صغيرة ، وبين الفينة والأخرى اسمع " هاكاك.. هاكاك.. سير.. آي ياي ياي.."
رفعت إحداهن رأسها َخاطبتني : مساكن دايرين كتر من جهدهم..
تبادلنا ابتسامة رضى..
لبست ملابسي ، وغادرت قبل نهاية المباراة ، كنت أتمنى أن أبقى إلى النهاية فقط لاستمتع بهذا الجمهور الفري .

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



السبت 10 دجنبر 2022
في نفس الركن