كتاب الرأي

تشريعيات فرنسية غير فاصلة


صدق منجمو الانتخابات بفرنسا ،وجاءت النتائج كما التوقعات معطية الصدارة لليمين المتطرف متبوعا باليسار الجذري ،أما ماكرون فقد نجح فقط في حشد الفرنسيين لصناديق الاقتراع حين دعا لانتخابات لم تكن واجبة دستوريا. لقد حل ثالثا، لكنه لازال يلوح بورقة ضرورة الحفاظ على روح الجمهورية.



بقلم: الدكتور خالد فتحي

 بعد الحصيلة غير المسبوقة ،تحدثت لوبين  مختالة منتشية بالديمقراطية التي "تكلمت،" و التي "محت" برأيها محوا شبه كامل كتلة ماكرون معتبرة أن مواطنيها  يريدون طي صفحة 7سنوات ماكرونية،متناسية أن الناخبين صوتوا لها عقابا له . 

 أو لكأنها ماقنعت ،وتريد أن تغرر  بالرئيس وتكيد له  كي  يشرب المزيد من حليب السباع، ويدعو لانتخابات رئاسية يتجرع  فيها حتفه السياسي النهائي  . 

انتخابات تاريخية ،ولكنه  ليس التاريخ الذي يخلد  الطفرة العظيمة، بل هو  التاريخ الذي يكشف عن  الانقسام والفرقة.  فالكل  قد  تحدث عن التهديد الذي يمثله  الاخر : أقصى اليمين يحذر من أقصى اليسار المتحالف في نظره  مع الإسلاموية، والذي "سيغرق" فرنسا بمزيد من المهاجرين  الذين" يأبون" الاندماج، وسيجرون بالتالي  فرنسا إلى القعر .واقصى اليسار  لايبلع لسانه ،بل ينبه إلى العنصرية و إلى الحرب الأهلية الكامنة في خطاب وبرنامج اليمين الشعبوي .وماكرون بينهما يخطط، ويناور، ويريد أن يلعب لعبته، خصوصا وقد صار يكفيه أن يكون المستفيد من وغى التشريعيات إن  عز عليه أن يكون المنتصر فيها .

 من المنتظر حسب إسقاطات هذه النتائج على المقاعد النيابية  أن يربح التجمع الوطني 150  مقعدا إضافيا ويبلغ  270  نائبا.وهذا اختراق باهر يصل درجة النصر المؤزر مقارنة بالحصاد الهزيل للاستحقاقات السابقة العجاف،وكذلك قد فعلت الجبهة الشعبية الجديدة لليسار التي حلت ثانية ب28,5% من الأصوات ،والتي من المنتظر أن تسفر لها عن 200 نائبا.

ثم يأتي تحالف "معا " ذو المظلة الماكرونية في المؤخرة ب 22% من الأصوات. اما الآخرون فلايكادون يحسبون .هكذا لايتوقع للأغلبية الحالية التي انسحقت  بين مطرقة اليمين وسندان اليسار  المتطرفين الحصول الا على مابين  60 و 90 مقعدا بالجمعية الوطنية .

اليمين صار على أعتاب السلطة اذن  ،وتحتاج فرنسا لمعجزة كي تمنع ذلك .هناك ماكرون الذي قرر أن يختار احلى المرين ،ودعا لتحالف جمهوري وديمقراطي واسع ضد  ،وهناك ميلنشون الذي قرر أن يسحب كل مرشحيه الذين حلوا في المرتبة الثالثة كي يضيق الخناق على اعدائه اليمنيين كي يحرمهم الاغلبية المطلقة ،ولم لا كي يصبح  رئيسا للحكومة . 

وهنا ،وامام هذا الوضع المعقد المنذر بالصدامات القادمة  ،لابد أن نطرح السؤال التالي : هل ياترى  تسرع ماكرون؟.  هل خانه الذكاء ؟. أعتقد أن ماكرون  يعرف مايريد .وأنه سعى بهذه الحركة  كي  يفقأ الخراج الآن قبل الانتخابات الرئاسية .إنه يراهن على التعايش الذي سيعني بالنسبة له أن الفرنسيين هم الذين لم يمنحوه شيكا على بياض كما قد طلب منهم ،وهذا يسعفه كي يبرر فشله و  يلقي بالمسؤولية عليهم .

وكذلك سيفعل اليمين الجذري سواء كون الحكومة أو اخفق في ذلك بسبب التحالفات ،حيث  سيظل بدوره يلهج بالشكوى و يطالب الفرنسيين بتفويض شامل يدلف به لقصر الاليزيه وقصر ماتينون في نفس الآن.

وحتى في حال ما إذا تمكن هذا اليمين من حصد الأغلبية المطلقة ،فسيكون تحت رحمة قرارات الرئيس ،لأن فرنسا نظام رئاسي قبل كل شيء.وكذلك لن يكون بوسع لوبين ومريديها أن  ينزلوا السردية التي خاضوا بها الانتخابات بحذافيرها.هناك دائما برنامج للنجاح في الاستحقاقات و ذاك البرنامج الممكن الملطف القابل للتطبيق حكوميا ،ولنا في رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني خير مثال  على ذلك ،ففي عهدها اجتاحت إيطاليا الجحافل  العارمة من المهاجرين كما لم يسبق أن وقع لها  من قبل  .ثم إن الدولة، أية دولة كانت ، لم تعد تملك كل السيادة ،هي رهينة في سياساتها أيضا لما تمليه عليها إكراهات العولمة، و حبيسة للصورة وللإطار  الذي تشكلت لها تاريخيا  في المحفل الدولي .بهذا المعنى ،سواء فاز اليمين أو غلب اليسار ،لا أظن فرنسا بمقدورها أن تختلف وتتحور جذريا  عما هي الان حتى وإن ملكها  اليمين الجذري .

الفرنسيون حجوا بكثافة لصناديق الاقتراع ،وقاموا بالمطلوب منهم . ولكن بعد أن ينجلي غبار الحرب الانتخابية،ستتضح  لهم الرؤية ، وسيجدون انهم يرابطون  في نفس النقطة قابعين في المنزلة بين المنزلتين، تتنازعهما وتتقاذفهما  فوق ذلك تيارات شعبوية يناوئ بعضها البعض .

و لذلك سيكون علينا من جهة أخرى  أن نشفق على المنتصر في هذه الانتخابات التشريعية  أيا كانت فصيلته ،فالفرنسيون انهكتهم الأزمات، وعيل صبرهم، ،وليس مقدورهم الانتظار ، و لذلك لن يمنحوا الفائز إلا فترة سماح قصيرة جدا. ،وبعدها قد تعود السترات الصفراء، ولربما قد ينطلب ربيع فرنسي آخر في  إيهاب مختلف يكون أكثر عصفا و أشد إصرارا،و قد يندلع  في وقت أقصر جدا مما قد نظن . انها اذن انتخابات لا فاصلة ولا حاسمة ،لانها سترسخ الأزمة فقط .ولن تتأخر ارتداداتها الاجتماعية والسياسية  عن الشتاء القادم. . اخيرا علينا ان نعي ان مايعتمل بفرنسا ليس إلا عينة من المخاض الذي ينتظر العالم .

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الأربعاء 3 يوليو/جويلية 2024
في نفس الركن