كتاب الرأي

تأملات في المشهد السياسي المغربي وتحديات الأخلاق السياسية


لن أتطرق في هذا المقال، لما يقع من أحداث سياسية تتعلق بعد المسؤولين المنتخبين الذين تمت محاسبتهم أمام المحاكم، ولست هنا لإجراء أي محاكمة لتحديد من سيتحمل المسؤولية، لأننا في الأخير جميعا مسؤولون بشكل أو بآخر، وفي نهاية المطاف التاريخ سيحكي نفسه بنفسه في المستقبل.



بقلم: عدنان بن شقرون

لكن تصحيح الوضع ودفع المغرب قدما نحو الحكامة الجيدة، هو مربط الفرس في هذه الحالة السياسية المضطربة.


هذا المقال بمثابة إبراء الذمة، عن مانلاحظه من افتقار المشهد السياسي للبلاد للاخلاق، واقول افتقار وليس انعدام، فكل مانعيشه ويعرفه المشهد السياسي والحياة السياسية سيتم تدوينه من طرف المؤرخين، وستطلع عليه الأجيال القادمة


يجد المشهد السياسي المغربي، و مثل العديد من الديمقراطيات الناشئة، نفسه عند مفترق طرق حاسم. إن خلق حياة سياسية أخلاقية ومسؤولة أمر ضروري ليس فقط لاستعادة ثقة المواطنين ولكن أيضا لتعزيز التنمية المستدامة للبلاد. 


هذا التطور يتضمن حتماً حل المشاكل والخلافات الداخلية التي تعمل حالياً على تقويض الأحزاب السياسية، فضلاً عن تبني مدونة أخلاقية صارمة للمؤسسات التشريعية وفي قلب هذه المشاكل الداخلية تكمن قضايا الفساد والجرائم المالية والإجراءات القانونية التي تقوض ثقة الجمهور. 


إن الحاجة إلى إنشاء آليات مراقبة داخلية لمكافحة هذه الآفات أصبحت أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، وذلك من خلال وضع ترسنة أخلاقية تستهدف المؤسسات التشريعية بإعادة تشكيل الممارسة السياسية من خلال فرض معايير عالية للسلوك وتعزيز مبادئ المساءلة والشفافية. 


 و بعيداً عن الهياكل والأنظمة، يجب أن تكون الحياة السياسية مشبعة بالقيم والأخلاق،  فأزمة القيم الأخلاقية ليست ظاهرة محلية فحسب، بل هي تحدي عالمي، يجب على المغرب أن يتصدى له أيضا. ولا بد من تطبيع هذه القيم في المجال السياسي، مع التأكيد على المسؤولية والكفاءة والوطنية وحب الوطن. هذه القيم ضرورية لضمان حكامة رشيدة تلبي حقا احتياجات وتطلعات المواطنين. فالتأخير في اقتراح قانون لأخلاقيات العمل البرلماني هو من أعراض الأزمة الأوسع التي يواجهها المشهد السياسي المغربي. ويبدو أن البرلمانيين  لاينخرطون في تخليق الحياة السياسية بل ويقاومون الامر!!!!، على الرغم من التوجيهات الملكية الرامية إلى احترام القيم العالمية بشأن هذا الموضوع، إلا أن هذا التأخير يثير مخاوف بشأن قدرة البلاد على التقدم نحو ديمقراطية تمثيلية أكثر متانة وصلابة. 


 إن الهدف الأسمى لهذا القانون، وهو تعزيز التداول على السلطة وترسيخ أسس الديمقراطية، لا يمكن أن يتحقق دون إصلاح أخلاقي حقيقي. وفي هذا السياق، تدرك الأحزاب السياسية في المغرب بشكل متزايد الحاجة إلى اعتماد ميثاق أخلاقي ومراعاة سمعة المرشحين وأخلاقهم. ولا تقتصر التحديات التي يواجهونها على فضائح الفساد، ولكنها تشمل أيضًا الحاجة إلى تعزيز هيكلهم الحزبي وتشجيع المواطنين في الانخراط أكثر في العمل السياسي. علاوة على ذلك، يجب على المغرب أن يعزز مؤسساته الديمقراطية ليقوي حضوره بشكل فعلي في المحيط الإقليمي والدولي الذي يتسم بالاظصراب وهنا لابد ان اتحدث عن ضرورة التغلب على الصراعات الحزبية، التي ترتبط غالباً بمصالح شخصية ليس هدفها التدبير العمومي السليم ، لاستعادة ثقة المواطنين. وهذا يعني ضمنياً تمثيلاً ديمقراطياً على أساس معايير الجودة، مع التركيز على النزاهة والكفاءة بدلاً من أرقام التصويت. 


 وأخيرا، فإن إقامة علاقة ثقة بين الأحزاب السياسية والمواطنين أمر بالغ الأهمية. ويجب سد الفجوة المتنامية بين الطرفين، والتي تفاقمت بسبب النظرة إلى الأحزاب باعتبارها كيانات همها في المقام الأول الانتخابات. ومن الضروري أن تؤدي الأحزاب وظيفتها التعليمية (تجنب أي شعبوية)، من خلال إشراك المواطنين باستمرار في الحياة السياسية  وليس فقط خلال الفترات الانتخابية.


 وفي الختام، فالتوصيات التي يمكن اقتراحها لإنشاء ميثاق سياسي أخلاقي، تتمثل في عدم دعم المرشحين الفاسدين، ومراجعة القوانين الانتخابية، وهي إجراءات ضرورية لضمان نزاهة الأحزاب السياسية وحيوية الديمقراطية المغربية. 


 إن النهج الشمولي الذي يشمل الإصلاحات التشريعية وتعزيز القيم الأخلاقية هو وحده القادر على تحويل المشهد السياسي المغربي إلى قوة دافعة للتنمية الوطنية. 


 الكرة الآن في ملعب الأحزاب السياسية المغربية، وفي مواجهة نقطة تحول حاسمة، فإن هذه الجهات الفاعلة مدعوة إلى الارتقاء إلى مستوى توقعات مواطنيها والتاريخ نفسه. والأمر متروك لهم لاتخاذ تدابير ملموسة لتأسيس ثقافة سياسية مشبعة بالأخلاق والمسؤولية.


 إن الإصلاحات الضرورية واضحة: تعزيز الشفافية، ومكافحة الفساد، وتعزيز الكفاءة والنزاهة، وقبل كل شيء، بث حياة جديدة في العلاقة بين المواطنين وممثليهم. 

ومن خلال مقاربة صارمة ومتجددة، تتيح للأحزاب السياسية الفرصة لإصلاح ليس فقط الهياكل القائمة ولكن أيضا لإعادة تشكيل التصورات العامة، الشيء الذي سيثبت لا محالة أن السياسة يمكن أن تكون أداة فعالة للتغيير والتقدم. و لإثبات جدارتها بهذه المهمة، فإن الأحزاب السياسية المغربية لن تستجيب لمطالب اللحظة فحسب؛  وإنما ستكون جزءًا من مسار يكرم دورها وأهميتها في تاريخ المغرب، والأمر في النهاية متروك لها إما بحسن استغلال هذه اللحظة الجدية و الحاسمة أو الرد في موعد مستقبلي مع التاريخ.

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الاثنين 13 ماي 2024
في نفس الركن