كتاب الرأي

بسبب عدم مشاركة الطبقة الوسطى الخائفة من الانهيار الشامل


بعد صمت طويل للشارع الإيراني، أعاد مقتل الشابة الكردية مهسا أميني، على يد عناصر من شرطة الآداب في العاصمة طهران منذ شتنبر الماضي، الدفء للشارع الإيراني وللمطالب الثقافية والاجتماعية والحقوقية للحركة الاحتجاجية التي تميزت بزخم غير مسبوق منذ عقود لمناهضة ورثة نظام الخميني، تميزت هذه الاحتجاجات غير المسبوقة التي هزت البلاد، بمشاركة إيرانيين من خلفيات ثقافية وعرقية عديدة في مواجهة تهديدات الحكومة ووحشية آلتها القمعية، وهي احتجاجات تختلف بشكل كبير عن الاحتجاجات السابقة من قبل، وإن كان للإعلام الغربي والمخابرات الأجنبية يد في الدفع بالكثير من الجمر في نار الاحتجاجات التي نعيش اليوم خمودها تحت الكثير من رماد المرحلة والسياق الكوني المتوتر.



بقلم : عبد العزيز كوكاس

لفظ الربيع الوردي بإيران أنفاسه الأخيرة

انتقلت الاحتجاجات من الغضب على مقتل الشابة مهسا أميني إلى ربيع وردي عارم بالتحاق الطلبة والنساء والتلاميذ الذين دخلوا في عصيان مدني واسع ومهدد شد الأنفاس وأصبح مادة إعلامية دسمة لكل وسائل الإعلام الدولي، حيث رفع المحتجون الذين كان أغلبهم من النساء شعارات ضد نظام الثورة الإسلامية، حتى أحس الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي بأن الأرض تكاد تميد تحت قدميه وحراس النظام المتشدد، في الحرس الثوري وأجهزة المخابرات، وكاد الكل يقتنع بأنها نهاية النظام الذي استولى على الحكم في 1979 عبر ثورة اتخذت مظهرا دينيا .


بعد ستة أشهر من الاحتجاجات العنيفة والنوعية، يبدو أن نظام الملالى يخرج أكثر قوة من عنق الزجاجة، فلم ينجح الربيع الوردي في إيران؟

في تقديري تظافرت عدة عوامل في نكسة ثورة النساء في إيران، من بينها غياب قيادة للحراك الفارسي، بحيث تمظهرت الاحتجاجات القوية كاحتجاج شعبي تلقائي بدون تأطير ولا تنظيم، وبلا قيادة تنسق الحركية الاجتماعية وفق هدف محدد وتتفاوض حولة من موقع قوة حسب زخم الاحتجاجات في الشارع العام، ثم هناك القمع الشرس الذي ووجه به المحتجون العزل والإجراءات التأديبية القاسية التي شملت المتظاهرين وعائلاتهم، ثم شيطنة الحراك الشعب واتهام الغرب بالتدخل والتوجيه في الشؤون الداخلية لإيران .



كما أن القوى العظمى لم تقدم أي دعم وازن للزخم الاجتماعي الداخلي خارج التوجيه الاستخباراتي، إضافة إلى سياق الحرب الأوكرانية والتقارب الروسي- الإيراني، لكن يبدو أن أهم سبب في فتور حركية الشارع الفارسي التي اندلعت منذ شتنبر الماضي، هو حياد الطبقة المتوسطة التي لم تنخرط في دعم مطالب المحتجات والمحتجين، فعلى خلاف الحركة الخضراء التي دعمت التوجه الإصلاحي عام 2009، والتي قادتها الطبقة الوسطى في المجتمع الإيراني، بدت ذات الطبقة اليوم في موقع المتفرج الحذر من احتجاجات الربيع الوردي بإيران، خوفا من انهيار كامل للنظام والدخول في متاهات الفوضى، خاصة وأن مآلات الربيع العربي الذي هز المنطقة منذ بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة كانت مخيبة للآمال وغير مشجعة لتحالف الطبقة الوسطى الإيرانية مع احتجاجات الربيع الوردي التي خبا لهيبها دفعة واحدة، وأصبحت كما لو أنها حركة ذات مطالب قطاعية أكثر مما هي ثورة ضد نظام سياسي متشدد كما بدت مع انطلاق شرارتها الأولى، كل العوامل السابقة تؤكد أن نظام الملالى خرج أكثر قوة مما كان عليه قبل خريف 2022 .

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الثلاثاء 25 يوليو/جويلية 2023
في نفس الركن