والدراسة التي أُنجزت بمناسبة حملة 16 يوما من النضال ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي ، أوضحت أن تزويج الطفلات تحول مـن استثناء إلى قاعدة ، وذلك بسبب ارتفاع نسب الاسـتجابة إلى الطلبات المقدمة للمحاكم ، وهذا راجع إلى ضعف الضمانات القانونية المضمنة في مدونة الأسرة ، التي لم تحِط تزويج الأطفال أو القاصرين بضمانات قوية .
وأكدت نفس الدراسة ، أن غالبية قضاة النيابة العامة غير متفرغين للقيام بمهام أقسام قضاء الأسرة، حيث يزاول 76% منهم مهاما أخرى ، فضلا عن القضايا المتعلقة بقسم قضاء الأسرة داخل المحاكم العادية ، بينما لا تتجاوز نسبة القضاة المتفرغين لمهام الأسرة 23% .
وفيما يتعلق بالبحث الاجتماعي ، أكدت الدراسة أن حوالي 30 %من أفراد العينة من المساعدين الاجتماعيين ، يحضرون لجلسة الاستماع إلى الطفل بصفتهم مساعدين للقضاء ، بينما أكد 70% منهم أنهم لا يحضرون هذه الجلسات لانعدام الأساس القانوني لحضورهم ، ولعدم التفرغ ، وكذا لكون دورهم يبدأ عند تكليفهم من طرف قضاة الأسرة بإنجاز بحث اجتماعي ، وغالبا ما يتم ذلك باسـتماعهم من جديد للطفلة ، من أجل الوقوف على ظروفها الاجتماعية .
وبخصوص الخبرة الطبية ، أوضح 76% من أفراد العينة أنه يتم الاكتفاء دائما بالإدلاء بشهادة طبية تفيد بأن الطفلة قادرة على الزواج ، بينما أفاد 24% من أفراد العينة باشتراطهم الحصول على تقرير مفصل .
وسجلت الدراسة الوطنية تفاوتا ملحوظا في إعمال السلطة التقديرية للقضاة فيما يتعلق بالمبررات المعتمدة في تعليل طلبات زواج الأطفال ، والمتمثلة أساسا إما في تزويج الطفلة مراعاة للتقاليد والأعراف ، أو في حالة اليتم وغياب الأب أو القرابة ، وإما لأسباب اقتصادية من أجل ضمان مستوى عيش جيد ، أو لبلوغها “ سن الزواج ” الواقعي وليس القانوني ، أو تزويجها من مغتصبها ، في حالة الاغتصاب .
وللتذكير، فإن هذه الدراسة تنقسم إلى جزأين، جزء أول يتعلق بالمعطيات الخاصة بالدراسة الميدانية، وجزء ثان مرتبط بالمعطيات المتعلقة بالأحكام القضائية، حيث رصدت الدراسة مجموعة من الثغرات التي تشوب مدونة الأسرة علاقة بتزويج الأطفال، أهمها عدم تنصيصها على السن الأدنى للزواج، وعدم إلزامية الجمع بين البحث الاجتماعي والخبرة الطبية، إضافة إلى عدم إلزامية احترام مقتضيات المادتين 20 و21 من مدونة الأسرة، وهو ما يتيح إمكانية الالتفاف عليها من خلال مسطرة ثبوت الزوجية-المادة 16، والتي تم تمديد نطاقها رغم انتهاء الأجل القانوني من خلال قرار محكمة النقض اعتمادا على الفقه المالكي .
وفي نفس السياق، سجلت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، آمنة بوعياش، أن تقديم هذه الدراسة يأتي في سياق يتسم بدينامية ونقاش وطني حول مدونة الأسرة، وما تتوفر عليه المنظومة الوطنية من آليات وطنية للتظلم خاصة بالأطفال ضحايا انتهاكات حقوق الطفل، مؤكدة أن تقدم اعتبارات قانونية لظاهرة تزويج الطفلات تفيد مجالات تدخل المجلس عبر 3 مستويات، الأول معياري مفاهيمي سيمكن من فهم المسار القضائي لتزويج الطفلات، والثاني ترافعي، سيمكن من إعطاء دفعة لعمل المجلس الترافعي كمؤسسة وطنية لحقوق الإنسان تصبو لجعل قوانين المغرب الوطنية تتلاءم مع الصكوك الدولية لحقوق الإنسان، والثالث يتجلى في إذكاء الوعي الحقوقي وإعادة النظر في المعايير الاجتماعية الحمائية للطفولة.
وشددت آمنة بوعياش على ضرورة تحيين هذه الدراسة الأولية وجعلها دراسة دينامية، كما هو الشأن مع مفهوم المصلحة الفضلى للطفل، أي أن تكون موضوع اشتغال وتتبع وتحيين متواصل.
بدوره، أكد ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في المغرب، لويس مورا، على أهمية توحيد الجهود لوضع حد لهذه الظاهرة التي تطال عددا كبيرا من الطفلات عبر العالم، مضيفا أن هذه الدراسة، التي جاءت في إطار تعاون مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، من شأنها أن تقدم رؤية واضحة حول المبررات القضائية المعتمدة لتزويج الطفلات في المغرب، كما أنها تقدم توصيات مهمة لملاءمة الإطار التشريعي الوطني مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها مراعاة للمصلحة الفضلى للطفلات.
المصدر : مجلة فرح