فن وفكر

الفرحُ بثمن والوطن لا يُقَدَّرُ بثمنْ !


عِشْتُ حتَّى رأيْتُ الفرح الذي تحقَّق مِنْ مونديال قطر ، يُصْبح صِناعةً تُدِرُّ من الأرْباح خلال أيَّامٍ معدودةٍ ، ما لم يُفجِّرهُ الحُزن مِن نُوَاح طيلة عقود من النّكسات ، بل إنّ مداخيل الفرح الذي لا يحتاج لاسْتيراد وتصْديرٍ كالفوسفاط ، قد يُساهم إذا أحسنت الحُكومة ترْشيدَ نفقاته دون ريعٍ أو تَرْقيعٍ ، في الرّفْع من النُّموِّ الاقتصادي للبلد ، هي فُرصةٌ إذاً لنرُد الجميل إلى أبطال المُنتخب الوطني، ونجْعل جُهودَهم القِتاليّة في الميْدان الكُروي، لا تذهب سُدى دون ثمارٍ ملموسةٍ على أرض الملعب الكبير للمجتمع، فرصةٌ لتُصْلِح الدولة بأموال بطولاتٍ بلغت دورة إثْر دورة إلى قمّة الكأس ، كلَّ مظاهر البؤس التي تُبشِّع صورة بلدنا ، في قطاعات الصِّحة والتعليم والشُّغل وانهيار القُدْرة الشِّرائية للمواطن ، فرصةٌ ليستمر الفرح دون أن يكون رهينَ العُمْر القصير لأيّام الكرة ، فرصةٌ لنجعل هؤلاء الأبطال يَفْخَرون أكثر بتُراب الأجداد ، وهُم يرَوْن أن ما جَنوهُ بعزيمة وقُوّة جَلَد ، قد أدْخل السُّرور إلى جيوب المُواطنين ، وانْعكس بأجْمل صُورةٍ على مستوى العيش الكريم ، أليْس هكذا نرْفع سقف الحُلم ومعهُ الرَّأس إلى ما هو أبعد من الكأْس !



محمد بشكار

لا أعرف بكم تُقدَّر تكاليفُ الفرح ، لأنّي لستُ خبيراً في هذا النّوع من الاقتصاد ، كُل ما أعرف أنَّ لحظة فرحٍ مَسْرُوقةٍ قد تُكبِّدني خسائر فادحة وتنْقلبُ إلى قرح ، فأنا كباقي البُسطاء لا أشْعُر بالسَّعادة إلا حين أجدُ وقتاً فارغا أنْفِقُه على نفسي دون تفكير ،  كأنِّي أُسَرِّعُ وتيرة الزمن لأسْتبْدِل ساعةً بأخرى أفْضَل ، ثُم إنَّ الفرح في هذا العصْر ، أصبح مُعقّداً يَسْتدعي خُططاً كالتي تُوضَع قبل الحرب ، فيالق من المُسْتشْهرين والمُؤثِّرات ذوات البشرة المُصفّاة والمُنقَّحة بتقنية الفِلْتر ، والأجهزة الفنية بكل طواقمها المُتخصِّصة في التنظيم والألبسة والرقص والغناء والتَّعْتيم ، وهي أيضاً طواقم بأسْنان تُجْهِزُ على الأخْضر واليابس ، صار للفرح كتائب إعْلامية تُصوِّر في البحر والجو والبر وغُرَف النوم ، لم يعُد الفرح ينْمو طبيعيّاً كأيِّ بِذرة مزَّقت التُّراب واكتشفتْ بالصُّدْفة أنّها زَهرةٌ أو كُمَّثْرى ، بل صناعةٌ تُعلِّب المشاعر الآدمية ِوفْق منطق السُّوق ، ولأنَّ الحزن يكتسح أغلب الأنْفُس ، فإنَّ عَرْض الفَرَح لا يُلبِّي كلَّ الطَّلب ، إلا هذه الغِبْطة الغامرة التي صنعها المُنْتخب ، فقدْ أيقظت في الذاكرة أطلال التاريخ لِتُعيد ترميم أقواس النَّصر ، وامتدَّت في رُقْعةِ الجغرافيا لِتُلبِّي النداء المقموع لِكُلِّ العرب !  

افتتاحية ملحق" العلم الثقافي " ليوم الخميس 15 دجنبر 2022 .

المصدر : alalam.ma

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الخميس 15 دجنبر 2022
في نفس الركن