محمد بشكار
لا أعرف ما الذي أجَّج اليوم في نفسي الحنين إلى هذه الصُّحْبة الأثيرة ، ولا أصِفُها بالقديمة بِحُكْم أنَّها مُتجدِّدة دائما بالمحبَّةِ تجَدُّد الدورة القلبية بقُوة الذكريات ، ربّما هي حالةٌ انْتَابتْنِي كالتي تسْبَق تَدفُّق الأشْعَار، أو ربَّما هي حاجتنا جميعاً لقُفَّة (مِهْمَازْ) التي تقف إلى جانب الفقراء وتدين غلاء الأسعار ، مهْماز الذي كان بمُجرّد أنْ أفتح الجريدة يقْفز مِنْ سقفها الورقي ، نمشي معاً وقد امتصَّ كل هُمومي مُعْتمِراً طاقية الكادحين ، أو يُشارِكني الاحتراق بسيجارة يُغْنِي دُخانها عن كل كلام، مهماز الذي لا يعرف طريقةً أخرى لِمُساءلة الحُكومة عن مصير ثروات البلاد ، غير الكَشْف عن جيْبين فارغين أمام المَلأ، فهل ثمة ذخيرة تُعبِّئ الروح كل صباح أشَدّ فتكاً من مهماز رفيق السلاح ، يستحيل أن يبْتلع النِّسْيان هذه الشَّخصية الفريدة التي ابتكرتْها عبقرية الصّبان ، بل ما أشَدَّ خرَس الفرد والمُجتمع بدون أيْقونةٍ ساخرة تنْطِق باسمه في كُلِّ المِحَن !
كان لفلسطين (حنظلة) الذي نفخ فيه ناجي العلي من ألَمِه الروح ، ولنا في المغرب (مهْماز) الذي بَرَاه العربي الصبان بِحُرْقة صراعنا الوجودي مع الفساد ، كانت لحنظلة وما زالت القُبّة.. قُبّة القدس يُحوِّطها بذراعيه النَّحيلين ووجهُه مصدودٌ للحائط ، ولِمهْماز القُفّة.. وهي أيضا نضالٌ كالقضية الفلسطينية ، تحتاج لِمن يُحرِّرها مِمّنْ يسْتنْزِفون خيرات البلد ويحتكرون سوق الشغل ، أليْسَ فِي كُلِّ بيتٍ مغربي عاطل كما في كُل بيتٍ بفلسطين شهيد !
لا أُبالغ إذا قلتُ إنِّي حين التحقتُ بجريدة (العلم) صحافياً ، لَمْ أجِد فرْقاً كبيراً بين العربي الصبان الإنْسان ، وبين الشَّخْصية التي تُمثِّله أمام الرأي العام ويرْسُمها الفنان ، أوْ لِأقُل إنِّي بعد أنْ كنتُ أُتابِع شخصيةً هي مُجرَّد رسْمٍ على الورق ، جَمَعتْني المهنة أخيراً بمهماز من لحْم ودم وبالصوت والصُّورة ، عجباً لا فرْق أو قناع بين الرَّسْم ومَنْ يُوَقِّعه بالاسم ، نفْس المواقف التي تُغَلِّب الجانب الإنساني ، دون حاجةٍ لِلتَّلوُّن بإحدى اليافطات السياسية ، وما أكثر ما تعلَّمتُ من العربي الصبان ، تعلَّمتُ أنْ أكون مَبْدئِياً بِعِزَّة وكرامة على أن أكون بدائياً أقْتفي اللَّقْط حيثُ سقط ، تعلَّمتُ أنْ أعيش حياتي كما أُجسِّد مواقفي في رُسوماتي ، ولا فرْق بين الأفكار التي نجْتَرِحُها نازفةً بسكِّين الكتابة ، وبين الشَّرَار الذي يندلع بالحبر الصيني من فُوهة قلم الرّصاص ، تعلَّمْتُ من الطريقة التي يُدبِّر بِحكْمتها علاقاته الاجتماعية ، كيف أحْفُر المسافة بيني وبين الآخر خندقاً فاصلا ، حتى يتَّضح الفرْق بين التَّنْكيت الذي يبيع القردَ ويضحكُ على من اشتراه ، والتَّبْكيت الذي يُوخِز بشخصية مهماز الوعي الجَمْعي ، وما أكثر ما يُدْميه عسى تصِلُ الرسالة !
لا أحتاج القوْل إنَّ العربي الصبان شُعْلةٌ مُتوثِّبة من الذكاء ، وأنّه بنظرة لا تقف في السَّطح يسْتوحي مِنْ أعماق الأنفُس كاريكاتير اليوم، لا أحتاج أنْ أقول إنّه شجَّعني صحافياً وشاعراً ، وهل أنسى يوم رسم بورتريها لديواني الأول "ملائكة في مصحات الجحيم" ، يا سلام العربي الصبان الكاريكاتيرست يتواضع وَيرسُمني ، بل يا للنشوة وأنْتَ تلْعب مع الكِبار ، وددتُ حينها لو ينْطق مهماز نصير الفقراء ، عساني أعرف هل هو أوْ أنا الأجمل بملامح الشعراء الصعاليك ، لا أحتاج أنْ أسْتعرِض ثقافة العربي الصبان الواسعة بِرُقيِّها الفني والأدبي ، فهي لا تنْعكس فقط في كثرة ما ألَّفه أو قرأهُ مِنْ كُتُب ، إنّما في سلوكه الذي يتَّخذ من حياة البسطاء والمقهورين مرجعاً ، لذلك نجد هذا الفنان الاستثنائي النادر ، مُوجِعاً برسوماته التي كالأشباح تقُضُّ مضاجع الكُروش الكبيرة وتُثْخِنُها بالجراح ، وما أكثر ما يقْطع ألْسُن بعْض المُحلِّلين السياسيين من دابِرِها مُخْتصِراً الحريق، ما أكثر ما يجْمع الحَبَّ والتِّبْن ويُركِّزُه في رسْم ، ثُم يُلْقيه لينفجر مع النُّسَخ الأولى للجريدة كاللُّغْم !
كان لفلسطين (حنظلة) الذي نفخ فيه ناجي العلي من ألَمِه الروح ، ولنا في المغرب (مهْماز) الذي بَرَاه العربي الصبان بِحُرْقة صراعنا الوجودي مع الفساد ، كانت لحنظلة وما زالت القُبّة.. قُبّة القدس يُحوِّطها بذراعيه النَّحيلين ووجهُه مصدودٌ للحائط ، ولِمهْماز القُفّة.. وهي أيضا نضالٌ كالقضية الفلسطينية ، تحتاج لِمن يُحرِّرها مِمّنْ يسْتنْزِفون خيرات البلد ويحتكرون سوق الشغل ، أليْسَ فِي كُلِّ بيتٍ مغربي عاطل كما في كُل بيتٍ بفلسطين شهيد !
لا أُبالغ إذا قلتُ إنِّي حين التحقتُ بجريدة (العلم) صحافياً ، لَمْ أجِد فرْقاً كبيراً بين العربي الصبان الإنْسان ، وبين الشَّخْصية التي تُمثِّله أمام الرأي العام ويرْسُمها الفنان ، أوْ لِأقُل إنِّي بعد أنْ كنتُ أُتابِع شخصيةً هي مُجرَّد رسْمٍ على الورق ، جَمَعتْني المهنة أخيراً بمهماز من لحْم ودم وبالصوت والصُّورة ، عجباً لا فرْق أو قناع بين الرَّسْم ومَنْ يُوَقِّعه بالاسم ، نفْس المواقف التي تُغَلِّب الجانب الإنساني ، دون حاجةٍ لِلتَّلوُّن بإحدى اليافطات السياسية ، وما أكثر ما تعلَّمتُ من العربي الصبان ، تعلَّمتُ أنْ أكون مَبْدئِياً بِعِزَّة وكرامة على أن أكون بدائياً أقْتفي اللَّقْط حيثُ سقط ، تعلَّمتُ أنْ أعيش حياتي كما أُجسِّد مواقفي في رُسوماتي ، ولا فرْق بين الأفكار التي نجْتَرِحُها نازفةً بسكِّين الكتابة ، وبين الشَّرَار الذي يندلع بالحبر الصيني من فُوهة قلم الرّصاص ، تعلَّمْتُ من الطريقة التي يُدبِّر بِحكْمتها علاقاته الاجتماعية ، كيف أحْفُر المسافة بيني وبين الآخر خندقاً فاصلا ، حتى يتَّضح الفرْق بين التَّنْكيت الذي يبيع القردَ ويضحكُ على من اشتراه ، والتَّبْكيت الذي يُوخِز بشخصية مهماز الوعي الجَمْعي ، وما أكثر ما يُدْميه عسى تصِلُ الرسالة !
لا أحتاج القوْل إنَّ العربي الصبان شُعْلةٌ مُتوثِّبة من الذكاء ، وأنّه بنظرة لا تقف في السَّطح يسْتوحي مِنْ أعماق الأنفُس كاريكاتير اليوم، لا أحتاج أنْ أقول إنّه شجَّعني صحافياً وشاعراً ، وهل أنسى يوم رسم بورتريها لديواني الأول "ملائكة في مصحات الجحيم" ، يا سلام العربي الصبان الكاريكاتيرست يتواضع وَيرسُمني ، بل يا للنشوة وأنْتَ تلْعب مع الكِبار ، وددتُ حينها لو ينْطق مهماز نصير الفقراء ، عساني أعرف هل هو أوْ أنا الأجمل بملامح الشعراء الصعاليك ، لا أحتاج أنْ أسْتعرِض ثقافة العربي الصبان الواسعة بِرُقيِّها الفني والأدبي ، فهي لا تنْعكس فقط في كثرة ما ألَّفه أو قرأهُ مِنْ كُتُب ، إنّما في سلوكه الذي يتَّخذ من حياة البسطاء والمقهورين مرجعاً ، لذلك نجد هذا الفنان الاستثنائي النادر ، مُوجِعاً برسوماته التي كالأشباح تقُضُّ مضاجع الكُروش الكبيرة وتُثْخِنُها بالجراح ، وما أكثر ما يقْطع ألْسُن بعْض المُحلِّلين السياسيين من دابِرِها مُخْتصِراً الحريق، ما أكثر ما يجْمع الحَبَّ والتِّبْن ويُركِّزُه في رسْم ، ثُم يُلْقيه لينفجر مع النُّسَخ الأولى للجريدة كاللُّغْم !