كتاب الرأي

الصحراء المغربية.. دينامية دبلوماسية تغير قواعد اللعب


شكل الاعتراف الأخير لإسرائيل بمغربية الصحراء، تجاوزا إيجابيا ونوعيا لمسلسل الدعم الدولي لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب منذ 2007 كحل نهائي للنزاع المفتعل على الصحراء المغربية، ذلك أن إسرائيل حسمت موضوع سيادة المغرب على صحرائه دون اشتراطات عن كيفية ممارسة تلك السيادة، و هو ما يصب في دينامية دولية متصاعدة أظهرت فيها الديبلوماسية المغربية بقيادة الملك محمد السادس، حنكة واضحة وثباتا في رؤية الحل مع قراءة جيدة للمتغيرات على الساحة الدولية، هذه الدينامية لها عدة أبعاد، منها ما يرتبط بالتحولات الجيواستراتيجية التي يعرفها العالم، ومنها ما يتعلق بمواقف أطراف النزاع وحضورهم على الساحة الدولية، بالإضافة إلى تأثير الموقف الأمريكي القاضي منذ نهاية ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء ودعم مخطط الحكم الذاتي وتطبيقه ضمن السيادة المغربية والذي ظهر بشكل واضح في قرار مجلس الأمن رقم 2602 .



بقلم : عادل بن حمزة

البعد الأول: التحولات الجيواستراتيجية

تعتبر الحرب الروسية على أوكرانيا، بلاشك مقدمة لإعادة بناء نظام دولي جديد ثلاثي الأقطاب (الولايات المتحدةالأمريكي، الصين وروسيا)، الأطراف الثلاثة تسعى إلى إعادة تحديد مجالها الحيوي وبطبيعة الحال هذه العملية ستخلف مواجهات على حدود المجالات الحيوية ذات الطبيعة الأمنية الاستراتيجية عالية الحساسية، وخطوط التماس ستكون في المحيط الهادي حول بحر الصين إلى أستراليا ثم الحدود الشرقية الشمالية لأوروبا من بحر البلطيق إلى البحر الأسود، ثم في إفريقيا التي تعرف منافسة اقتصادية غربية ضد الصين ومواجهة محتملة غربية ضد روسية بسبب الحضور العسكري الروسي المتزايد في إفريقيا (ليبيا، مالي، إفريقيا الوسطى) .



 لذلك فإن استمرار نزاع مفتعل في الصحراء المغربية يعتبر تركة من الحرب الباردة في منطقة مهمة من شمال إفريقيا تتميز بقربها من أوربا وفي مواجهة السواحل الأمريكية الشرقية مما يعتبر تهديدا استراتيجيا خطيرا للأمن الأمريكي والأوربي، لذلك نلاحظ أن الدول الغربية والاتحاد الأوربي يعبرون عن مواقف مؤيدة للمغرب كشريك موثوق فيه بالمنطقة، تابعنا ذلك من خلال مواقف إسبانيا وهولندا والمفوضية الأوربية وإيطاليا وفرنسا وألمانيا ومالطا وغيرها من الدول التي تؤيد بشكل واضح مقترح الحكم الذاتي، ويمكن القول أن المغرب نجح في عكس الضغوط التي كان يتعرض لها والتي كانت أقرب إلى الابتزاز، إلى مواقف تأييد واضحة تأخرت لعقود طويلة، بل إن الموقف الإسرائيلي الأخير نفسه كان مسبوقا باشتراطات أعلن عنها مسؤولون إسرائيليون في مواقع متقدمة من صناعة القرار نظير قبول الرباط تنظيم قمة النقب قبل الإعلان عن الموقف من سيادة المغرب على الصحراء، الموقف الإسرائيلي أيضا لا يمكن قراءته خارج دينامية التحولات الاستراتيجية في المنطقة حيث تعتبر إسرائيل رقما صعب التجاوز في أية معادلة، ذلك أن الاتفاق الثلاثي الذي جمع المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية سنة 2020، لم يكن دافعه الوحيد هو موقف تل أبيب من قضية الصحراء، بل جاء في إطار تحالف أوسع يأخذ بعين الاعتبار صراع النفوذ بين القوى الكبرى، وإلا فإن الاعتراف الإسرائيلي كان يُفترض أن يكون سابقا عن فتح مجالات تعاون واسعة خاصة على المستوى العسكري بين الرباط وتل أبيب.على هذا المستوى أيضا أظهرت القيادة الجزائرية ضعفا شديدا في قراءة المرحلة فبينما نجحت الرباط في بناء مواقف متوازنة بخصوص القضايا التي تهم القوى الكبرى دون الاخلال بالالتزام مع حلفائه الغربيين، نجد الرئيس الجزائري الذي أظهر مستوى بسيط في إدراك التحديات الدولي، يجاهر بالعداء للغرب ويقوم في أوج الصراع بين كل من موسكو، بكين وواشنطن، بزيارة لكل من روسيا والصين والانخراط في مسلسل المس بالدولار الأمريكي، قبل أن يتلقى صدمة الاستبعاد من إمكانية الالتحاق بمجموعة "البريكس" في ظل ضعف الاقتصاد الجزائري وعدم قدرته على الاندماج في المجموعة، وبالطبع ضمن كل تحركات الرئيس الجزائري كان موضوع العداء للمغرب ومحاولة شراء مواقف معادية له، لازمة ثابتة في السياسة الخارجية لقصر المرادية بشكل يتجاوز حتى القضايا الداخلية والمصالح الوطنية الجزائرية .



البعد الثاني: مواقف أطراف النزاع وحضورهم الدولي


تعيش جبهة البوليساريو الإنفصالية منذ سنوات فراغا ممتدا يزيده الوضع في الجزائر تعقيدا، فكما هو معروف لا وجود لجبهة البوليساريو دون النظام العسكري الحاكم في الجزائر، وحيث أن الجزائر منذ سنوات وعلى الأقل منذ 2013 وهي تعيش حالة فراغ/صراع على السلطة وهو ما تجدد اليوم بمناسبة الاستعداد للانتخابات الرئاسية سنة 2024، وما نتج عن ذلك من عزلة دولية..يسعى النظام يائسا إلى فكها عبر توظيف الأموال المتدفقة عليه في السنوات الأخيرة بسبب ارتفاع الطلبة على الطاقة في ظل مقاطعة الغرب لروسيا، إذ أن حكام المرادية ظلوا سجيني مرحلة الحرب الباردة وغير قادرين على التفكير من خارج صندوق منظومة الدول الشمولية والأنظمة العسكرية التي لازالت تبحث عن شماعات وقضايا تتاجر فيها بنفس الشعارات التي تم انتاجها نهية الستينات مع جمال عبد الناصر، وخو ما جعل النظام الجزائري، غير قادر على مواكبة التحولات التي يعرفها النظام الدولي، وغير قادر على التأثير في السياقات الجديدة، سواء التي تهم الإقليم المغاربي ومنطقة الساحل والصحراء أو إفريقيا بصفة عامة، وبالتبعية فجبهة البوليساريو، التي تعودت دائما أن تكون مجرد صدى لما يقوم به النظام الجزائري، تجد نفسها اليوم تائهة ويائسة ومعزولة على المستوى الدولي، ظهر ذلك بشكل واضح عندما بادرت إلى قطع الطريق التجاري الدولي الذي يربط المغرب بموريتانيا عند معبر الكركرات في تحدي سافر للقوانين الدولية ولمناشدات الأمم المتحدة، وتوجت الجبهة حالة التيه التي تعيشها عندما أعلنت عن إنهاء وقف إطلاق النار من جانب واحد وإستئناف العمليات العسكرية الوهمية التي لا توجد سوى في مخيلة قيادة البوليساريو مسنودة بإعلام جزائري متخلف، هذا القرار وضع الجبهة في مواجهة المنتظم الدولي الذي يسعى لبناء السلام في المنطقة وهو ما أفقد الجبهة عددا من مناصريها خاصة في البرلمان الأوربي وإسبانيا . 



البعد الثالث: أهمية الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء

لا يمكن فصل الموقف الإسرائيلي الجديد عن  التطور الذي عرفه الموقف الأمريكي بشكل يرتبط بمسار التسوية الأممي، ويمثل وجهة نظر مؤثرة في تشكيل قناعة جديدة لدى مجلس الأمن في إطار تطور نظرته للنزاع في الصحراء منذ سنة 1997 التي عرفت التوقيع على إتفاقية هيوستن، وتوج هذا التحول في الموقف الأممي سنة 2007 عندما قدم المغرب مقترح الحكم الذاتي كأرضية جديدة للتفاوض بعد إقتناع القوى الكبرى والعديد من العواصم العالمية، بأن مسلسل تحديد الهوية وتنظيم الإستفتاء أصبح غير قابل للتطبيق، وأن التشبث به لا يفضي سوى إلى تمديد زمن الصراع في منطقة تعرف تحديات أمنية كبيرة بأبعاد دولية. مقترح الحكم الذاتي الذي وصفه مجلس الأمن منذ 2007 بالجدي وذي المصداقية، اعتبر طرحا واقعيا يقطع مع الإطار الذي كان يحيط بأطروحة الإستفتاء، والمبني على ثنائية خاسر في مقابل رابح، وهو ما جعل من طرح الإستفتاء غير قابل للتطبيق، لأن كل طرف يريد ربح النتيجة قبل بداية الإستفتاء ويرفض المغامرة بإنتظار النتيجة، لذلك قدم المغرب أرضية تقوم على رابح رابح، فلا يخسر المغرب سيادته ووحدته الترابية، ولا تخسر جبهة البوليساريو ما رفعته من شعارات ما دون تأسيس دولة منفصلة عن المغرب، هذا الحل الواقعي شكل عمليا منفذا للحل أمام المنتظم الدولي، ونظرا لقوته القانونية والسياسية والأخلاقية وسرعة نفاذه لدوائر القرار الدولي، فإن الجزائر راهنت على الزمن لفقده تلك القوة والإشعاع...فجاء الموقف الأمريكي الذي صدم النظام الجزائري ذلك أن واشنطن هي حاملة القلم في كل ما يتعلق بقرارات مجلس الأمن بخصوص الصحراء، إضافة إلى تأثير الولايات المتحدة في عدد من العواصم الغربية وقد ظهر تأثير الاعتراف الأمريكي في صيغة قرار مجلس الأمن 2602 بخصوص قضية الصحراء الذي أسقط الأوهام الجزائرية .



وهو ما يتكرر اليوم مع الموقف الإسرائيلي الذي لا يساهم فقط في دفع دول أخرى في إتجاه حسم موقفها النهائي، بل إنه يؤسس لوضع جديد في المنطقة ردا على جلب النظام الجزائري لطهران إلى المنطقة من خلال تدريب عناصر جبهة البوليساريو الإنفصالية والحديث عن تزويد الجبهة بمسيرات إيرانية في محاولة للمس بالتوفق الميداني المغربي والذي يعتبر السبب الحقيقي والمباشر لوقف اطلاق النار وبداية مسلسل التسوية في تسعينيات القرن الماضي .



هذه جملة من الاعتبارات والأبعاد التي تؤثر في الدينامية التي يعرفها الاحتضان الدولي لسيادة المغرب على صحرائه، فهل تستوعب القيادة الجزائرية خطورة المرحلة التي يجتازها العالم لبحث حلول تحفظ حق شعوب المنطقة في التطور والتنمية؟ أم أنها مرة أخرى ستسعى لاستثمار الظرفية الدولية كما استثمرت بالأمس الحرب الباردة ومعها إهدار مقدرات الشعب الجزائري الذي هو أولى باستثمار ثرواته فيما يعود بالنفع عليه؟ .

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الجمعة 21 يوليو/جويلية 2023
في نفس الركن