كتاب الرأي

الصحافي أمام طوفان الخوارزميات


تقديم:
يقدمُ الإعلامي أحمد المكاوي ، في هذا النص التأملي حول طوفان الخوارزميات، صورة عما يمكن أن تكون عليه الصحافة ، إذ يؤكد أن الصحافة وجدت أساسًا من أجل الدفاع عن المصلحة العامة ، وإن كانَ الذكاء الاصطناعي ينحو نحو هاته المصلحة .



أحمد المكاوي : إعلامي

ويرى أن الإنسانية اليوم ، تعرف لحظة فارقة في تاريخها ، بعد أن فقدت مركزيتها بسبب جروح أصابت مواضعَ نرجسيتها أساسًا ، مبرزًا أن إشراقة الذكاء البشري تظل دائما منفلتة وعصية ، تذهب به نحو مدارج الإبداع والابتكار .


ويشدد على أن الذكاء الاصطناعي بتطبقاته ، متاح لأي كان ، فكما يمكن استعماله في مجال الابتكار والإبداع ، يمكن أيضا أن يستعمل في الحروب ، السيبرانية أو غيرها ،  فمن ذا الذي بمكنته ضبط هذا المجال؟ يتساءَل المكاوي .


ويدعو المكاوي ، الصّحافي إلى استعمال النقد في تعاطيه مع الذكاء الاصطناعي ، يحقق في طوفان الخوارزميات ، وأن يبحث في مجالات خصبة تقبض على لحظات أكثر إنسانية ، لا قِبلَ لمنطق الخوارزميات بمجراتها .



 
في البدء كانت الكلمة..

إن الكتابة لن متدفقة لا تنتهي، ولأنه في البدء كانت الكلمة ، فإن ما يتحكم في العالم حاليا هي الخوارزمية (01)، أي الكتابة ، وهنا يطرح السؤال على الصحافي ، هل عليه أن يعرف الكتابة ويجيدها ، أو يعرف منطقها و أخلاقياتها ؟وكيف يمكن أن يستعملها لأغراض تهم المصلحة العامة؟ الصحافة وجدت من أجل الدفاع عن المصلحة العامة ، و إن كان الذكاء الاصطناعي ضد المصلحة فعليها أن تخبر ، وتستطلع ، وتسبر ما هو الفارق بين الذكاء البشري و الذكاء الاصطناعي؟



في هذا الصدد ، نحن  لا نتحدث من جهة البنية ، أي أن هنالك مدخلات و مخرجات يتحكم فيها الإنسان ، حينما يتعاطى مع ذكاء اصطناعي ، ذلك أن الذكاء البشري هو أيضا نتيجة مدخلات معينة : اجتماعية ، ونفسية ، وعصبية ، ومخرجات أيضا ، إلا أن العقل البشري ، يعرف فلتة أخرى ، أو بمعنى إشراقة ، هذه الإشراقة تكمن في  العقل البشري .


جراح الإنسان ؛في العصر الخوارزمي..

نحن أمام لحظة فارقة في تاريخ الإنسانية ، فالإنسان يُجرح مرة أخرى ، بعد أن فقد مركزتيه ، واهتز ت ثقته ، لم يعد مركزا للكون ، صفع و هو يسمع أن أصله البيولوجي خلية ما خرجت من ماء و تطورت لتصير إنسان ، وحين قيل له انت أبن نجم انفجر حين بدأ الكون ، وكذاك حين علم أن اللاوعي يتحكم في أفعاله ، في كل مرحلة يبدع فيها العقل البشري شيئا ، تنطلق أسئلة النهايات : نهاية مهنة ، نهاية فكرة ، نهاية تصور... وبعدها هنالك تجاور وتأقلم ، خصوصا حينما نتكلم في مستوى مهنة مثل الصحافة ، التي لها ارتباطات بكل المهن .


مهنة الصحافي ليست بالمهمة السهلة كما يتصور ، لكن عليه أن يكون موسوعي و يعرف نقاط التماس ، والمتغيرات ، يعرف شيئا من الصحة، البيئة ، الفلسفة ، ... وفق تصور واحد: المصلحة العامة للإنسان على الأرض أينما كان .


 الخوارزميات الخطر الذي يهدد..

قد يقول قائل : إن الذكاء الاصطناعي كله نعمة ، لكن كل إبداع بشري له نقمته ، السيارة تقتل ، و الأب الروحي للقنبلة الذرية هو أينشتاين رغم إيجابيات الثورة التي أحدثها نسبيته ، والإبداع إشراقة عقل إنساني حين تقع بين نفس شريرة فانتظر الكارثة .


 وأصحاب الأفكار المتطرفة و المدمرة يمكن أن يستعملوا أو يطوروا خوارزميات خاصة بهم . الخوارزمية غير مكلفة ، حاسوب و كتابة ، ثم حرب أهلية ، يمكن أن تدور بين روبوتات الذكاء الاصطناعي .


والإرهابيون كذلك سيجدون ضالتهم فيه ، نحن نتكلم ليس فقط عن الذكاء الاصطناعي في جانب البرمجيات ، بل  في جانب الروبوتات ، والقنابل الذكية ، و كل الاحتمالات و التطبيقات الممكنة ، من هي السلطة التي يمكنها أن تضبط هذا المجال ؟هذا هو  السؤال الأهم حاليا .


للخوارزميات أخلاقيات معينة وعليها أن تكون نابعة من نظم ذات طبيعة حقوقية أساسًا ، وإلا سنعيش تحت رحمة تسلط نمط تفكير واحد، رؤية واحدة للوجود وهذا ما يحدث للأسف ! ولا يمكن التنبؤ بتسارعه ، إن لم تتحرك الحكومات ، وحكومات العالم لوضع ميثاق عالمي لاستعمال الخوارزميات .



كما كانت هنالك اتفاقية للحد من التسلح النووي ، يجب أن تكون هنالك اتفاقية للحد من امتلاك خوارزميات غير أخلاقية ، أو بعدم امتلاكها مطلقا ، حينما نتكلم عن الخوارزمية نتكلم في منطق الذكاء الاصطناعي ، وتخيلوا تطبيق خوارزميات شريرة على تطبيقات الذكاء الاصطناعي !


"تسطيح العقل"، و"ثقافة استهلاك و"الاستعراض الخادع"،  وقد نضيف من النعوت الكثير ، حسب ما نقرأه في التعليقات على محتوى يوصف  بـ"التفاهة". أضع هنا "التفاهة" بين مزدوجتين ، لأنها ستكون موضوعا للاشتغال الصحافي ، الخوارزمية تصنع التفاهة ، وتحب "التفاهة" ، ومع الذكاء الاصطناعي "نظام التفاهة" سيصبح لربما "نظاما".



وبالتالي ؛ هل سيقف الصحافي متفرجا هنا؟ وهنا تحديدًا، يجب أن لا ننسى ان النقد جنس صحافي ، (هل بالإمكان للذكاء الاصطناعي أن يبرع في هذا الجنس ) ، الصحافي يمكن أن ينتقد بوسائل أخرى اعتمادا على الذكاء الاصطناعي ليكشف عن الخرافة ، وعن الزيف...إلخ .


حيث ما يوجد التماس يوجد الصحافي ، والذكاء الاصطناعي كلا تماس ، تطرح أمامنا أسئلة من قبيل : أي ذكاء اصطناعي نريد؟ ما العائد الاقتصادي؟ من يحتكر السوق ؟ هل براءة الخوارزميات ملكية خاصة بالمطور  او بالعموم من باب الحق في المعلومة ؟ من هي الأقليات الخوارزمية ؟ .


من سيجيب عن هذه الأسئلة او يطرحها و يستقصي فيها غير الصحافي الإنسان ، إنها نطاق تماس جديدة ، و حين نتكلم عن الذكاء الاصطناعي فمجالات استعمالاته الحالية و المستقبلية احتمالات متزايدة .


نحن في طور ظهور أجناس أخرى من الصحافة، صحافة البيانات، صحافة التدقيق.. إلخ ، و من الممكن أن نرى أجناسًا أخرى ، والصحافي عليه أن يحقق في طوفان الخوارزميات ، كيف تستعمل في الانتخابات؟ من يقف وراء حملة معينة تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي ؟ الصحافي سيستمر في كشف حقيقة ما هو زيف عن طريق الخوارزميات : صور ، أخبار ، فيديوهات ...


مازالت هنالك مجالات خصبة بالنسبة للصحافي : أن يحكي قصصا عن الإنسان ، أن يقبض على ضوء الصورة ، نغمة الصوت و الإحساس العارم بلحظة إنسانية ، مازال على هذه الارض ما يحكي ، و من يحكي سوى الصحافي ؟
أمام هذه الرؤية الخوارزمية للوجود ،  هنالك رؤية مختلفة ، تخرج من منطق 01، الرؤية الهندسية ، المنظورية ، الكون هندسة ، وهنا يقف الصحافي ، عليه أن يكون هندسيا، أي أن تكون له زاوية نظر، وزاوية معالجة ، و ما تميز الصحافي إلا في زاوية المعالجة؟  . 

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الثلاثاء 2 ماي 2023
في نفس الركن