تكنو لايف

الذكاء الاصطناعي : بين الابتكار والتقليد والتنظيم... أي نموذج سيختاره المغرب؟


يعيد الذكاء الاصطناعي رسم ملامح التوازن الاقتصادي العالمي. في الولايات المتحدة، يقود عمالقة التكنولوجيا سباق الابتكار بوتيرة متسارعة. في الصين، تعتمد الفعالية على القدرة السريعة على التكيف وتقليد النماذج الناجحة وتحسينها. أما في أوروبا، فالأولوية تُمنح للتنظيم لحماية المواطنين من مخاطر الذكاء الاصطناعي



أمام هذه الديناميكيات المختلفة، يجد المغرب نفسه أمام مفترق طرق استراتيجي. فأي نموذج سيتبناه؟ ثلاثة نماذج... وثلاث فلسفات في الولايات المتحدة، يُعتبر الذكاء الاصطناعي محركًا لثورة اقتصادية وصناعية، حيث تُضخ استثمارات ضخمة في البحث والتطوير. تقود شركات مثل OpenAI وGoogle DeepMind وNvidia المشهد العالمي بتطوير خوارزميات متقدمة، ما يسمح لها بفرض رؤيتها التكنولوجية على المستوى الدولي.

غير أن هذه الوتيرة السريعة غالبًا ما تأتي على حساب الاعتبارات الاجتماعية والأخلاقية. في الصين، الاستراتيجية تعتمد على الاستيعاب السريع والتطوير الذكي. بدلاً من ابتكار تقنيات جديدة، تقوم الصين بتحسين النماذج الناجحة وإعادة توظيفها بكفاءة. شركات مثل WeChat وTikTok أظهرت قدرة الصين على تحويل التقنيات المستوردة إلى منتجات ناجحة عالميًا، بفضل دعم الدولة وتوافر كميات هائلة من البيانات.

أما أوروبا، فقد اختارت منهج الحذر والتنظيم الصارم. التشريع الأوروبي "AI Act" هو مثال واضح على هذا النهج، حيث تسعى الدول الأوروبية إلى تحقيق ذكاء
اصطناعي مسؤول وأخلاقي، رغم أن هذا قد يؤدي إلى تباطؤ التطور التكنولوجي ويحد من المنافسة مع القوى العالمية الأخرى.

المغرب: أي مسار يمكنه اتباعه؟

المغرب لا يمتلك الإمكانيات المالية والتكنولوجية للولايات المتحدة، ولا القوة الإنتاجية للصين، ولا الأولوية التنظيمية لأوروبا. لذلك، يجب أن يكون خياره عمليًا وذكياً من خلال التركيز على البحث التطبيقي في مجال الذكاء الاصطناعي. بدلاً من محاولة منافسة العمالقة، يمكن للمملكة الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في قطاعات محددة حيث يمكن تحقيق أثر ملموس وسريع، مثل: الزراعة الذكية: تحسين إدارة المياه والمزارع عبر الذكاء الاصطناعي لمواجهة تحديات ندرة الموارد المائية.

الخدمات اللوجستية والتجارة: تعزيز قدرة ميناء طنجة المتوسط ليصبح مركزًا أكثر كفاءة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. الصحة والتشخيص الطبي: تطوير حلول تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحسين الرعاية الصحية، خصوصًا في المناطق النائية. التحدي الأكبر: تكوين الكفاءات والاحتفاظ بها نجاح أي استراتيجية يعتمد على توفير كفاءات متخصصة. حاليًا، يُكوّن المغرب مهندسين وخبراء في الذكاء الاصطناعي، لكن أغلبهم يفضلون الهجرة بحثًا عن فرص أفضل.

السؤال المطروح: كيف يمكن للمغرب الاحتفاظ بهذه العقول؟ يمكن تحقيق ذلك عبر: منح حوافز مالية وضريبية للشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي. توفير بيئة بحثية محفزة داخل الجامعات والمختبرات. تعزيز الشراكات مع الشركات العالمية والاستفادة من خبراتها. نحو نموذج مغربي متوازن لكي ينجح المغرب في التحول الرقمي، عليه اتباع نموذجًا هجينًا يجمع بين: مرونة تنظيمية على غرار الولايات المتحدة، لدعم الابتكار. قدرة سريعة على التكيف كما في الصين، لاستغلال التطورات التكنولوجية الحديثة. تنظيم عقلاني ومتوازن دون الوقوع في القيود البيروقراطية الأوروبية.

لا يمكن للمغرب أن يظل متفرجًا في سباق الذكاء الاصطناعي، بل يتعين عليه رسم مسار واضح واستثمار موارده بذكاء في مجالات تتناسب مع احتياجاته الاقتصادية والاجتماعية. ويظل الرهان الأكبر مرهونًا بمدى جدية الإرادة السياسية وحجم الاستثمارات الوطنية في دعم هذا التوجه الطموح. فمع تسارع التطورات التكنولوجية، يصبح التأخر في اتخاذ القرار مخاطرة قد تُفقد المغرب فرصته في تحقيق سيادته التكنولوجية.

الذكاء الاصطناعي، الابتكار التكنولوجي، التنظيم الرقمي، المغرب الرقمي


عائشة بوسكين صحافية خريجة المعهد العالي للإعلام… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الثلاثاء 4 فبراير 2025
في نفس الركن