كتاب الرأي

الدكتور خالد فتحي في حوار مع جريدة الأيام


حوار الدكتور خالد فتحي مع جريدة الأيام يكشف:



: 1- ما تعليقكم  على البدء  في مراجعة  مدونة الأسرة، بعد  20 سنة من تطبيقها، و هل هناك حاجة ماسة لذلك ؟

ج) هذا أمر مفروغ منه . الكل مجمع على ضرورة إصلاح المدونة .لان الأسرة في أزمة سافرة . بل هي مهددة في وجودها .لكن التدافع  الحقيقي يتجلى  في طبيعة هذا الإصلاح ومحتواه واتجاهه. هناك من يظن أنه ينبغي أن نسير قدما في اتجاه النموذج الغربي الذي  يحافظ للزوجين على حريتهما الفردية حتى ضمن بناء اجتماعي يقوم أساسا على التخلي عن قسط كبير  من هذه الحرية لفائدة الوحدة الجديدة التي هي الأسرة.وهذا الاتجاه ينطلق من قناعات ايديولوجة يسعى لتنزيلها ، وهناك من يرى  ان  الوقت  حان لنحكم ما إن كانت   المستجدات التي أتت بها المدونة الحالية  قد حققت تماسك الأسرة، ام أنه قد أسيئ تطبيقها وأدت إلى نتائج معكوسة؟؟.وهذا الاتجاه  ينطلق من  تقييم موضوعي  على اساس عقلاني منطقي محاولا  أن يتماهى مع  ما دعا إليه جلالة الملك من ضرورة تصحيح الاختلالات . 


   أعتقد أنه ينبغي لنا أن نتوفر على  تشخيص دقيق للوضع الأسرى، وأن نتزود  بالمنحنيات المطلوبة، وهذه اول مهمة يجب ان تضطلع بها اللجنة التي أمر بتكوينها صاحب الجلالة لكي نناقش ببصيرة وحياد  انطلاقا من أرقام ومعطيات مضبوطة  .علينا أن ننظر  زيادة على  عدد الإناث و الذكور ، في  عدد من هو مؤهل منهم  للزواج ، معدل الزواج ، معدل الطلاق ،نسبة المبادرين إلى الطلاق من الأزواج والزوجات. متوسط عمر الزواج  بحسب العمر ، عدد المواليد خارج الزواج ، عدد أطفال الطلاق، دراسات سلوكية ونفسية لهؤلاء الأطفال، تكلفة الطلاق اقتصاديا واجتماعياونفسيا ....الخ.اي أن نتوفر على خريطة الزواج والطلاق وباقي  المتغيرات. هكذا سيبتعد النقاش عن الشعارات والتناول السطحي والدوغمائي،   و يتخلص من تكلس الإيديولوجيا، فنقرر لأنفسنا وفق المصلحة الفضلى للأسرة والمجتمع .


علينا ان نكون اذكياء ومنتبهين للسياقات،  فنحن مثلا   نرى الآن  سقوط كل الأيديولوجيات والشعارات على المستوى الدولي والعودة  الحثيثة إلى الهويات الوطنية. وكذلك نتطلع لدور إقليمي وريادة قارية، وهذا يتطلب ان يظهر المغرب بمظهر المتبوع لا بمظهر التابع.  لذلك علينا أولا أن نحسم مسألة المرجعية التي هي بطبيعة الحال  مرجعية الغالبية العظمى من المواطنين اي المرجعية الاسلامية الإنسانية، وأن تكون الحلول  التي نقترح  من داخلها براجماتية تبتعد عن منطق الصراع بين المرأة والرجل، فالأسرة خلية إنسانية تعتمد على كليهما ، وبالتالي ان نسعى  تشريعيا لتقعيد توازن داخل الأسرة لايضعف مكانة  أي واحد من طرفيها  . وبالتالي علينا أن نلتزم في قوانيننا بمسألة أن المرأة والرجل،  والرجولة والانوثة مكملان لبعضهما البعض ،والانطلاق تبعا لذلك  من  الفطرة السليمة ومن وحدة الأسرة، وليس من التمركز على الذكر  أو على الانثى .وبالتالي اجتراح الحلول التي  لها هدف واحد هو إطالة عمر الأسرة التي ينبغي ان تتاسس على سبيل الدوام . هذا مايميز  اصلا الأسرة عن العلاقة العابرة العرضية .  



 2- في نظركم ماهي أبرز مظاهر النقص والقصور التي تشوب مدونة الأسرة الحالية ؟

اول نقص هو سهولة الطلاق .الأسرة أصبحت سائلة جدا  .وبالتالي هشة جدا . مما  جعل الزواج يعاني من فقدان  المعنى لدى الشباب،إذ يمكن لخلاف بسيط أو حتى لنزوة أن تدمرها بسرعة قصوى.خصوصا مسألة التطليق للشقاق التي صارت معولا قانونيا لهدم الأسرة.لدرجة يمكن القول معها ان" الزواج صار وعدا  شبه مؤكد  بالطلاق". وبالتالي أصبح  البعض في مايقترحه يركز على مغانم الطلاق أكثر مما يركز على فضائل الزواج .


 الزوجان أصبحا يفكران في حريتهما ،وفي التحلل من الارتباط . أصبحا يتعاملان بمنطق رياضي حسابي وليس بمنطق تراحمي .عدوى الاستهلاك  التي أتت بها  الرأسمالية المتوحشة انتقلت  إلى الزواج، صار  الرجل يستهلك المرأة ،والمرأة تستهلك الرجل ،ثم يبحثان عن شريك آخر، وهكذا دواليك.وبهذا السلوك والاستسهال ستصير  العلاقات الرضائية مآلا  لامفر منه . بل قد تعود هي القاعدة والزواج هو  الاستثناء.. هذا واضح جدا لدى  الغرب ،نحن لازالت لدينا الفرصة كي نتفادى هذا المصير .


هذا التفلت والتفكك  الأسري الذي انحدرنا إليه  يجعلنا نتساءل عن حق الأطفال في أن يعيشوا في أسرة مستقرة من أم وأب. وعن حق المجتمع في أن تمده الأسرة برجال ونساء أسوياء يقودون التنمية في المستقبل؟ .اين هي الأسرة المستقرة التي يتعلم فيها النشء التسامي عن فردانيته و يتشرب فيها فضائل وقيم الصبر والعطاء والتضحية من أجل الأسرة  ممايربي فيه قيمة  الولاء للوطن . إن هذا التمزق  سينعكس سلبا على المجتمع في العقود المقبلة الذي سيصبح مهددا في تلاحمه وهويته ووجوده .


 وسائل التواصل الاجتماعي زادت الطين بلة، وحطمت الكثير من الأسر .يجب أن نفكر في حماية الآصرة الأسرية، وان نمد الأسرة باليات الاستمرارية والتغلب على العوائق والمشاكل  . على الأسرة ان تمثل  اليقين في زمن اللايقين. اي أن نصعب الطلاق ونيسر الزواج .هذه هي الفلسفة التي يجب أن تؤطر عملنا .


   يجب تمنيع الأسرة وتصليب القانون وليس تسييله لكي  نجعل الطلاق لا  يكون الا  في الحالات القصوى من استحالة العشرة . للقيام بهذه المهمة يجب أن ننتبه للمفهوم الحقيقي للأسرة التي يتعين  أن نشرع لها  انطلاقا من كونها مؤسسة إنسانية اجتماعية، وليس كمؤسسة سياسية أو اقتصادية .يجب أن لانترك الأسرة لتشريعات السياسيين  والحقوقيين لوحدهم لانها أخطر من أن تقارب من وجهة نظر قانونية وايديلوجية فقط .السياسيون يفكرون في الأسرة متأثرين باعتبارات سياسية وأخلاق سياسية وانطلاقا من مبدأ ممارسة السلطة او اقتسامها وهذا خطأ قاتل  ، وكذلك يفعل الاقتصاديون الذين ينظرون إلى الأسرة بمنطق الشركة التجارية،  فيحسبون العلاقة الأسرية بحساب الربح والخسارة وسنوات الخدمة ،وهذا خطأ كبير أيضا. الأسرة مؤسسة لاتبنى على التعاقد الجاف ،بل على المودة والتراحم. ولذلك فالمقاربة القانونية ليست هي الحل الأمثل. هي جزء منه فقط  .   العلاج لأمراض الأسرة يكمن في المقاربة الإنسانية الاجتماعية الدينية القيمية .


الأسرة مشاعر وحب وشوق وغيرة وتضامن وخفض للجناح ونجدة وشهامة ورجولة وانوثة وتضحية وبالخصوص مودة ورحمة .وهذه قيم معنوية لايحسن  تقنينها السياسيون والحقوقيون. ولذلك علينا أن نخرج من دائرة الإفراط في التقنين لأن ذلك يخلق مشاكل أخرى متفرعة .


راينا كيف  تطور بنا الأمر  .أصبحنا الآن أمام مطالب أخرى لتحرير  الاجهاض والعلاقات التي يسميها  البعض بالرضائية الخ .علينا أن نحكم  المنهجية ولا نلغي أيضا المقاربة التوعوية الرامية إلى الرفع من وعي المجتمع.ما أتعجب منه هو كيف أن زيجات أجدادنا كانت تدوم عقودا  ،بل طيلة الحياة، والآن أصبحت أغلب الزيجات لا تستمر حتى سنة واحدة بل أحيانا لاتدوم  سوى بضعة أيام.  .هناك خلل كبير ويجب أن  نواجه معضلة الأسرة بشجاعة وذكاء بحثا عن مصلحة المجتمع .   
  

 
  3- عدة مقتضيات قانونية في مدونة الأسرة الحالية، أصبحت غير ملائمة للمستجدات المجتمعية وللبيئة الدستورية الجديدة وحتى للالتزامات الدولية التي صادق عليها المغرب؟


بخصوص الالتزامات الدولية انت ترى أن النظام الدولي ينهار حاليا .وهذا يعني أنه كان دائما نسبيا. هناك اصطفاف جديد سوف لن يكون بين عالم حر وعالم شيوعي، وإنما بين عالمين او ثلاثة وحتى أكثر  بقيم مختلفة: قيم محافظة، وقيم سائلة، وقيم أخرى تتناثر بينهما . 

ولذلك أقول إن الأسرة يجب أن ينكب عليها الفلاسفة والمفكرون والفقهاء بما أننا نستلهم تشريعاتها من الشريعة الإسلامية لنفرز النموذج الذي يلائمنا كمغاربة . وان لا نتركها للمزايدات السياسية ،فهي أسمى من ذلك. .أعتقد أن قوانين الأسرة يجب أن تتمتع بالثباث والاستقرار.لا يمكن تغييرها كلما برز على السطح تيار سياسي ما او ظهرت تيارات على المستوى الدولي.لأن الأسرة أساس المجتمع  ويجب ان تتوفر على منسوب كبير من اليقين .الآن هناك قوميات ووطنيات تنبعث في كل العالم. ونحن لنا هوية، والأسرة إحدى المؤسسات التي تتوارث فيها هذه الهوية .ولذلك فالأسرة لابد لها  ينبغي أن تعكس هويتنا الحضارية. هذه هي المبادئ التي يجب أن توجه إصلاح مدونة الأسرة .    


 
3- هل مطلب حتمية إعادة النظر في مدونة الأسرة يظل رهينا بتحقيق توافق بين جميع القوى الحية حول مضمون المراجعة، وتوافر البيئة لتطبيق سليم لمقتضياتها؟.

هذه ليست قانون انتخابات لنتوافق حولها بمفهوم التوافق التقليدي . بمعنى انه لا ينبغي لها ان لا  تخضع لمنطق المقايضة بين التيارات .يجب أن تكون لنا القدرة الجماعية على تمييز واختيار الأصلح من الاقتراحات ومن التشريعات. وعلى كل من له اقتراح أن يدعمه بالدراسات والأرقام والاحصائيات التي تؤيده ودائما في نطاق الشريعة الإسلامية والمذهب المالكي لا ان يأتيينا بخطاب مرسل منمط مكرور .الإصلاح  لايعني النقل من الغير. .الأسرة مثلا انتهت باوربا والغرب .


رأينا كيف أن المجتمعات التي تكابد الشيخوخة كانت أكثر هشاشة خلال الجائحة. علينا أن نفكر في الأسرة ونحن نضع نصب أعيننا الحفاظ على هويتنا وعلى تماسك مجتمعنا وعلى تحصين قدرته على البقاء في المستقبل. .الموضوع ليس سهلا ،ولا يمكن أن يخضع لا لمنطق التصويت ولا منطق التوافق بل إلى منطق الاقناع والحقائق والمرجعية التي يلتف حولها المغاربة منذ قرون  .

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الاثنين 9 أكتوبر 2023
في نفس الركن