كتاب الرأي

الدبلوماسية ليست لعبة كرة قدم


« للنصر ألف أب، لكن الهزيمة يتيمة »… هي مقولة شهيرة لجون كينيدي، لطالما أثبتت صحتها عبر الزمن وفي كل مكان. واليوم، نجد أن الدبلوماسية المغربية ووزيرها ناصر بوريطة يجسدان هذه الفكرة بكل وضوح.



بقلم عزيز بوستة

 فالإخفاق، في هذه الحالة، هو فشل المغرب في الحصول على منصب نائب رئيس الاتحاد الإفريقي، والنتيجة أن ناصر بوريطة يجد نفسه وحيدًا في مواجهة خيبة الأمل الوطنية، متحملًا مسؤولية هذا الفشل، أو كما يرى بعض المراقبين، عليه أن يدفع الثمن. أما عندما يحقق المغرب انتصارات دبلوماسية، فنحن بالمئات، بل بالآلاف والملايين، ممن ينسبون لأنفسهم جزءًا من الفضل!


ماذا حدث في أديس أبابا الأسبوع الماضي؟ الصراع التقليدي والمستمر بين المغرب والجزائر، لكن بأدوار متبادلة. الجزائر لم تتمكن من دخول مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، فتجاهلت الأمر إعلاميًا، بينما احتفى المغاربة بهذا الإخفاق الجزائري. في المقابل، تمكنت الجزائر من إلحاق الهزيمة بالمغرب في سباق منصب نائب رئيس الاتحاد الإفريقي، فاحتفلت بانتصارها بصخب، بينما التزم المغرب الصمت. هكذا تستمر هذه المنافسة الشرسة والمثيرة بين "الشقيقين العدوين"، التي تحمل في طياتها شيئًا من الطفولية السياسية.


وبمجرد إعلان فوز الجزائرية سلمى حدادي، ارتفعت الأصوات في المغرب منتقدةً هذا الإخفاق، وموجهة سهام النقد إلى الدبلوماسية المغربية، بل وصل الأمر بالبعض إلى المطالبة باستقالة ناصر بوريطة. لكن الأمور أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه، وتتطلب تحليلًا أعمق ورؤية أكثر هدوءًا. فهل ناصر بوريطة مسؤول عن عدم حصول المغرب على هذا المنصب؟ نعم. لكن هل هو مذنب في شيء؟ قطعًا لا.


من المؤكد أنه أخطأ في بعض التقديرات، ربما رفع سقف الطموحات أكثر من اللازم، أو لم يأخذ بعين الاعتبار تعليق عضوية خمس دول إفريقية صديقة للمغرب، وربما لم يبذل كل ما يلزم من جهود، أو تحرك بسرعة واندفاع زائدين. لكن الحقيقة هي أن النجاحات الدبلوماسية نادرًا ما تكون مطلقة. فعند النظر إلى الصورة الأوسع، نجد أن المغرب حقق اختراقات مهمة داخل الاتحاد الإفريقي، سواء من خلال الأمن (حصوله على منصب نائب رئيس الإنتربول في إفريقيا)، أو من خلال التأثير (عضويته في مجلس السلم والأمن منذ 2017)، أو عبر المبادرات الإقليمية (الأطلسي الإفريقي، الساحل، الهجرة)، أو عبر التعاون الاقتصادي المشترك. وعند النظر من هذا المنظور، يصبح إخفاق لطيفة آخرباش في انتخابات نائب رئيس الاتحاد الإفريقي مجرد تفصيل بروتوكولي لا يمس جوهر السياسة الخارجية المغربية.


ورغم ذلك، لا يمكن إنكار بعض أوجه القصور في إدارة بوريطة للدبلوماسية المغربية، وأبرزها انغلاقه الشديد واحتكاره للمعلومات، ما يجعل الجهاز الدبلوماسي أقل انفتاحًا على النقاش الوطني. في الوقت نفسه، هناك تساؤلات حول استراتيجية التواصل الرسمية، حيث يتم التركيز على إصدار بيانات متكررة حول تجديد دعم دول أجنبية لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، لكن دون تحقيق اختراقات فعلية. فهل يستحق هذا الأمر كل هذا الاحتفاء الإعلامي؟


هناك أيضًا مسألة غياب وزير منتدب أو كاتب دولة مكلف بالشؤون الخارجية. هذا المنصب كان دائمًا حاضرًا في الحكومات السابقة، وقد أثار غيابه تساؤلات بين الدبلوماسيين الأجانب والمسؤولين الأفارقة، خاصة في ظل عدم رغبة العديد من الوزراء المغاربة في تكثيف زياراتهم إلى القارة الإفريقية. حتى ناصر بوريطة نفسه يزور الدول الإفريقية غالبًا في إطار اجتماعات متعددة الأطراف فقط. أليس من الحكمة تعيين مسؤول مكلف بالشؤون الإفريقية لتعزيز الحضور المغربي في القارة؟


لكن ربط مصير ناصر بوريطة بهذا الإخفاق المحدود في الاتحاد الإفريقي سيكون خطأً فادحًا، لأن ذلك يعني الوقوع في فخ الجزائريين والتركيز على منافستهم فقط، في حين أن المغرب يواجه تحديات أكبر بكثير، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي.


منذ انتخاب سلمى حدادي على حساب لطيفة آخرباش، ظهر محللون كثر قدموا قراءات متشددة، متناسين أن هذه "النكسة" ليست سوى مجرد محطة عابرة، فيما تواصل الدبلوماسية المغربية تحقيق إنجازات على عدة أصعدة. وهنا تبرز مفارقة غريبة: كيف يمكن للمغاربة أن يحتفلوا بفشل الجزائر في دخول مجلس السلم والأمن، ثم ينقلبوا رأسًا على عقب بعد خسارة المغرب منصبًا أقل تأثيرًا؟


إنه المشهد ذاته عندما يخسر المنتخب الوطني في مباراة، فجأة يصبح الجميع خبراء في كرة القدم، ويطالبون بإقالة المدرب! يمكن للجميع تقديم قراءاتهم لما جرى في أديس أبابا، لكن الدعوة إلى إعادة صياغة العقيدة الدبلوماسية المغربية أو المطالبة بإقالة الوزير كما لو كان مدربًا فاشلًا هو أمر مبالغ فيه وغير منطقي.


لا شك أن ناصر بوريطة شخصية ذات أسلوب صارم، وأحيانًا سلطوي، ويخلق بيئة عمل مغلقة، بل وحتى تخوفًا داخل الوزارة. لكن في الوقت ذاته، هذا الأسلوب هو الذي قاد المغرب إلى بناء دبلوماسية قوية ومستقرة، حققت العديد من المكاسب، خاصة فيما يتعلق بملف الصحراء المغربية.


في النهاية، يحتاج ناصر بوريطة إلى تقديم تفسيرات لهذا الإخفاق، وربما يكون هذا الحدث فرصة له ليصبح أكثر انفتاحًا، ويعتمد على كوادر دبلوماسية جديدة، ويعزز علاقات المغرب في إفريقيا من خلال تعيين وزير منتدب يعوض الغياب الدبلوماسي في القارة.


فالمغرب يحتاج اليوم إلى فريق دبلوماسي قوي، قادر على مواجهة تحديات المستقبل، سواء فيما يتعلق بالعلاقات مع الاتحاد الأوروبي، أو المنافسة مع الجزائر، أو التعامل مع التحديات التي قد تفرضها الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة دونالد ترامب. وبالمقارنة مع هذه الملفات الساخنة، فإن خسارة منصب نائب رئيس الاتحاد الإفريقي تبقى مجرد تفصيل عابر في سجل الدبلوماسية المغربية


عائشة بوسكين صحافية خريجة المعهد العالي للإعلام… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الجمعة 21 فبراير 2025
في نفس الركن