في ما يلي النص الكامل للخطاب الملكي السامي :
“ الحمد لله، والصلاة والسلام علی مولانا رسول الله وآله وصحبه.
شعبي العزيز ،
يأتي تخليد الذكرى السابعة والأربعين للمسيرة الخضراء، في مرحلة حاسمة ، في مسار ترسيخ مغربية الصحراء.
وإذا كانت هذه الملحمة الخالدة ، قد مكنت من تحرير الأرض، فإن المسيرات المتواصلة التي نقودها ، تهدف إلى تكريم المواطن المغربي ، خاصة في هذه المناطق العزيزة علينا.
ومن هنا ، فإن توجهنا في الدفاع عن مغربية الصحراء ، يرتكز على منظور متكامل ، يجمع بين العمل السياسي والدبلوماسي ، والنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية للمنطقة.
وفي هذا الإطار ، يندرج البرنامج التنموي الخاص بالأقاليم الجنوبية ، الذي تم توقيعه تحت رئاستنا ، في العيون في نونبر 2015 ، والداخلة في فبراير 2016.
شعبي العزيز ،
يتعلق الأمر ببرنامج تنموي مندمج ، بغلاف مالي يتجاوز 77 مليار درهم ، ويهدف إلى إطلاق دينامية اقتصادية واجتماعية حقيقية ، وخلق فرص الشغل والاستثمار ، وتمكين المنطقة من البنيات التحتية والمرافق الضرورية.
وهو برنامج طموح ، يستجيب لانشغالات وتطلعات سكان الأقاليم الجنوبية ؛ وتتحمل السلطات المحلية والمنتخبة ، مسؤولية الإشراف على تنزيل مشاريعه.
وفي المجال الفلاحي ، تم توفير وتطوير أزيد من ستة آلاف هكتار ، بالداخلة وبوجدور، ووضعها رهن إشارة الفلاحين الشباب ، من أبناء المنطقة.
وتعرف معظم المشاريع المبرمجة، في قطاعات الفوسفاط والماء والتطهير ، نسبة إنجاز متقدمة.
وقد شهد المجال الاجتماعي والثقافي ، عدة إنجازات في مجالات الصحة والتعليم والتكوين ، ودعم مبادرات التشغيل الذاتي، والنهوض باللغة والثقافة الحسانية ، باعتبارها مكونا رئيسيا للهوية الوطنية الموحدة.
وفي هذا السياق ، المطبوع بروح المسؤولية الوطنية، ندعو القطاع الخاص ، إلى مواصلة النهوض بالاستثمار المنتج بهذه الأقاليم ، لاسيما في المشاريع ذات الطابع الاجتماعي.
كما ندعو لفتح آفاق جديدة ، أمام الدينامية التنموية ، التي تعرفها أقاليمنا الجنوبية ، لا سيما في القطاعات الواعدة ، والاقتصاد الأزرق ، والطاقات المتجددة .
شعبي العزيز ،
لقد شكلت الصحراء المغرب ، عبر التاريخ صلة وصل إنسانية وروحية وحضارية واقتصادية ، بين المغرب وعمقه الإفريقي .
وإننا نسعى ، من خلال العمل التنموي الذي نقوم به ، إلى ترسيخ هذا الدور التاريخي ، وجعله أكثر انفتاحا على المستقبل.
وهو توجه ينسجم مع طبيعة العلاقات المتميزة ، التي تجمع المغرب ، بدول قارتنا الإفريقية ، والتي نحرص على تعزيزها ، بما يخدم المصالح المشتركة لشعوبنا الشقيقة.
وفي هذا الإطار ، بادرنا مع أخينا فخامة السيد محمدو بوخاري رئيس جمهورية نيجيريا الفيدرالية بإطلاق مشروع أنبوب الغاز نيجيريا – المغرب ، ويسعدنا اليوم، أن نسجل التقدم الذي يعرفه هذا المشروع الكبير، طبقا للإطار التعاقدي ، الذي تم توقيعه في دجنبر 2016 .
وتشكل مذكرة التفاهم الموقعة مؤخرا ، بالرباط مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ، وفي نواكشوط مع موريتانيا والسنغال ، لبنة أساسية في مسار إنجاز المشروع .
ويعكس هذا التوقيع التزام البلدان المعنية ، بالمساهمة في إنجاز هذا المشروع الاستراتيجي ، وإرادتها السياسية لإنجاحه.
واعتبارا لما نوليه من أهمية خاصة ، للشراكة مع دول غرب القارة، فإننا نعتبر أنبوب الغاز نيجيريا – المغرب ، أكثر من مشروع ثنائي ، بين بلدين شقيقين .
وإنما نريده مشروعا استراتيجيا ، لفائدة منطقة غرب إفريقيا كلها ، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 440 مليون نسمة .
وذلك لما يوفره من فرص وضمانات ، في مجال الأمن الطاقي ، والتنمية الاقتصادية والصناعية والاجتماعية ، بالنسبة للدول الخمسة عشر ، للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ، إضافة إلى موريتانيا والمغرب.
إنه مشروع من أجل السلام ، والاندماج الاقتصادي الإفريقي ، والتنمية المشتركة : مشروع من أجل الحاضر، والأجيال القادمة .
وبالنظر للبعد القاري لأنبوب الغاز نيجيريا – المغرب ، فإننا نعتبره أيضا مشروعا مهيكلا، يربط بين إفريقيا وأوروبا.
كما نشيد بدعم المؤسسات المالية، الإقليمية والدولية، التي عبرت عن رغبتها في المساهمة الفعلية، في إنجازه.
ونود أن نؤكد هنا ، حرص المغرب على مواصلة العمل ، بشكل وثيق مع أشقائنا في نيجيريا، ومع جميع الشركاء ، بكل شفافية ومسؤولية ، من أجل تنزيله ، في أقرب الآجال .
كما نجدد انفتاحنا على جميع أشكال الشراكة المفيدة ، من أجل إنجاز هذا المشروع الإفريقي الكبير .
شعبي العزيز ،
إن الوفاء لروح المسيرة الخضراء ، ولقسمها الخالد ، يتطلب مواصلة التعبئة واليقظة ، من أجل الدفاع عن وحدة الوطن ، وتعزيز تقدمه وارتباطه بعمقه الإفريقي.
وهي مناسبة للترحم على روح مبدعها ، والدنا المنعم ، جلالة الملك الحسن الثاني ، أكرم الله مثواه ، وعلى أرواح كل شهداء الوطن الأبرار.
كما نوجه تحية إشادة وتقدير ، للقوات المسلحة الملكية ، والأمن الوطني ، والدرك الملكي، والإدارة الترابية ، والقوات المساعدة ، والوقاية المدنية ، على تفانيهم، تحت قيادتنا ، في الدفاع عن وحدة الوطن وأمنه واستقراره.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”.
المصدر : جريدة نقاش 21