يحدث الآن

الحماية القضائية للمعطيات الشخصية


يقوم القضاء بدور مهم في المجتمع الرقمي نتيجة شيوع استخدام التكنولوجيا الحديثة في سائر أوجه الحياة العصرية ، وما يترتب عن ذلك من قضايا ومنازعات، وكان من أهم الجوانب التي تعاني فراغا تشريعيا ما يتعلق بحماية الحياة الخاصة والخصوصية الفردية باعتبارها أحد حقوق الإنسان الأساسية، والتي أصبحت محل اهتمام متزايد في ظل إفرازات وآثار توظيف تقنية المعلومات.



حماية القضاء للخصوصية كحق من حقوق الإنسان

 سارة البوفي

ويبرز التطور التاريخي لمفهوم الخصوصية ثلاث محطات رئيسية تتمثل في حق حماية الأفراد من مظاهر الاعتداء المادي على حياتهم وممتلكاتهم أي الخصوصية المادية ، وحماية القيم والعناصر المعنوية للشخص أي الخصوصية المعنوية ، والخصوصية كحق عام يمتد نطاقه لحماية الشخص من كافة أوجه الاعتداءات والتدخل في حياته أيا كان مظهرها أو طبيعتها لاسيما من خلال استعمال التكنولوجية الحديثة في الإعلام والاتصال ، والتي تسمى بخصوصية المعلومات بما يقتضيه ذلك من حق الأفراد في السيطرة على المعلومات والبيانات الخاصة بهم لمواجهة تحديات العصر الرقمي.

تنص عدة دساتير ومنها دستور المملكة على عدة أوجه للخصوصية كالحق في حرمة السكن ، والحق في سرية المراسلات والتي تسمى بالخصوصية المادية ، والحق في وصول سيطرة الشخص على بياناته الشخصية وتسمى خصوصية المعلومات ، ويذهب القضاء المقارن إلى تفسير النصوص الدستورية على نطاق واسع ، ومن ثم اعتبر في حالة عدم النص على هذا الحق ، أن حق الخصوصية متضمن ومقرر ضمن النصوص التي تتعلق بحقوق دستورية أخرى ، كما يمثل الانضمام والمصادقة على الاتفاقيات الدولية التي اعترفت بهذا الحق ، مصدرا للحق الدستوري ، عندما تتقدم نصوص هذه الاتفاقيات على القوانين العادية.
 
لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة
 
ينص الفصل 24 من دستور المملكة على أن لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة رغم التضييق الذي تمارسه التكنولوجيا الحديثة في مختلف مناحي الحياة العصرية ، كما تعتبر المعطيات الشخصية مصدرا مهما للمقاولات من أجل الرفع من نشاطها التجاري ، بما قد يحمله ذلك من مخاطر إمكانية إساءة استعمال معالجة المعطيات الشخصية للأفراد ، وكان لابد من وضع إطار قانوني لضمان حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي للأفراد ، من خلال القانون رقم 08-09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي ، وإحداث اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي ، وفي المقابل نجد المادة 1 من نفس القانون تنص على أن المعلوميات في خدمة المواطن ، وتتطور في إطار التعاون الدولي ، ويجب ألا تمس بالهوية والحقوق والحريات الجماعية أو الفردية للإنسان ، وينبغي ألا تكون أداة لإفشاء أسرار الحياة الخاصة للمواطنين.
 
لذلك فإنه لكل شخص الحق في مراجعة المحاكم المختصة في حال التعرض لأي من حقوقه المتعلقة بمعالجة البيانات ذات الطابع الشخصي ، بالإضافة إلى المراجعة الإدارية المتاحة أمام سلطة الرقابة الرسمية المختصة ، أما من الناحية الزجرية فتوقيع جزاءات وعقوبات بشأن أفعال مجرمة بخصوص معالجة المعطيات الشخصية ، كمعالجة بيانات دون تقديم تصريح أو دون الحصول على ترخيص ، أو إفشاء بيانات ذات الطابع الشخصي ، أو عرقلة عمل السلطة الرسمية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي.
 
الحماية الجنائية للمعطيات ذات الطابع الشخصي
 
تتمثل حالات الحماية في المس بالنظام العام ومعالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي دون التصريح بذلك أو دون الحصول على الإذن أو معالجة المعطيات الشخصية دون رضى المعني بالأمر أو المساس بحقوق الشخص المعني بالمعطيات موضوع المعالجة وعدم الالتزام بسرية وسلامة المعالجات ، وكذلك الاستغلال غير المشروع للمعطيات ذات الطابع الشخصي ومخالفة قواعد نقل المعطيات الشخصية إلى بلد أجنبي أو الاستعمال التعسفي أو التدليسي للمعطيات المعالجة و عرقلة ممارسة عمل اللجنة الوطنية ، أو حالة أثر مخالفة الشخص المعنوي و أثر حالة العود.

مختلف الصكوك الدولية تؤكد على حماية الحياة الخاصة وكرامة الانسان

وفي نفس السياق ، أكد عبد الجليل بودربالة ، محام متمرن بهيئة الرباط وباحث في السياسات العمومية ، أن مختلف الصكوك الدولية تؤكد على حماية الحياة الخاصة وكرامة الانسان والتي نص عليها قانون 24 من الدستور سنة 2011 ، لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة مؤكدا في نفس السياق، عدم انتهاك سرية الاتصالات الشخصية ، وهو أمر كرسته الدساتير السابقة.
ومن هذا المنطلق الدستوري ، صدر القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي ، متضمنا مجموعة من القواعد القانونية الآمرة والملزمة للجميع من أجل ضمان حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي ، وهو القانون المعزز بصدور مرسومه التطبيقي رقم 2.09.165.

واستهل هذا القانون مادته الأولى بتعريف مجموعة المصطلحات كمصطلح "معطيات ذات طابع شخصي" معتبرة إياه كل معلومة كيفما كان نوعها بغض النظر عن دعامتها ، بما في ذلك الصوت والصورة المتعلقة بشخص ذاتي معروف أو قابل للتعرف عليه بصفة مباشرة أو غير مباشرة ، ولا سيما من خلال الرجوع إلى رقم التعريف أو عنصر أو عدة عناصر مميزة لهويته البدنية أو الفيزيولوجية أو الجنسية أو النفسية أو الاقتصادية أو الثقافية أو الاجتماعية" ، وتهم البيانات الشخصية كل المعطيات المتعلقة بالحياة الخاصة للفرد كحالته الصحية والمالية والمهنية والوظيفية والعائلية والاجتماعية.

وأضاف المتحدث ذاته ، أن هذا النص يهم حماية جميع المعطيات ذات الطابع الشخصي أينما وجدت وكيفما كان المكلف بها ، إلا أن المشرع أورد استثناءات على ذلك ، إذ أن بعض أنماط المعالجات غير مشمولة بمضمونه أو بمجال الحماية إن جاز التعبير ، ويتعلق الأمر مثلا بمعالجة المعطيات  ذات طابع من طرف شخص ذاتي بهدف ممارسة أنشطة شخصية أو منزلية بصفة حصرية ، ومعالجة المعطيات المحصل عليها والمعالجة لمصلحة الدفاع الوطني والأمن الداخلي أو الخارجي للدولة ، وتلك المتعلقة بأغراض الوقاية من الجرائم والجنح وزجرها ثم المعطيات المحصل عليها طبقا لنص تشريعي خاص ، وهي استثناءات تمليه متطلبات حماية السكينة العامة والحفاظ على الأمن العام.

من جهة أخرى كفل ذات القانون للشخص المعني بتجميع المعطيات الإسمية عدة حقوق نصت عليها المواد من 5 إلى 11 منه ، ومنها الحق في الموافقة والتعبير عن رضاه عن العملية الملزم إنجازها ، والحق في الإخبار عند تجميع المعطيات بطريقة صريحة ودقيقة حول خصائص المعالجة المنجزة ، والحق في الولوج والاستفسار عن المعطيات المعالجة وخصائصها ومصدرها والجهات التي أرسلت إليها، وكذا ممارسة حق التصحيح وتحيين المعطيات الشخصية المتعلقة بها ، أو إزالتها أو إغلاق الولوج إليها عندما يتبين له أن هذه المعطيات ناقصة أو غير صحيحة أو فاقدة للصلاحية ويوجه طلب التصحيح إلى المسؤول عن المعالجة...
وفي مقابل ذلك رتب القانون مجموعة من المسؤوليات والالتزامات على عاتق المسؤول عن المعالجة كوجوب إخبار المعني بالأمر واحترام الغاية من المعالجة وإبلاغها إلى الشخص المعني وإلى اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي ، إضافة إلى لزوم احترام مبدأ التناسب دون الإفراط في المعطيات في حدود الهدف من المعالجة ، ثم التحقق من جودة المعطيات وصحتها ووثوقها وتمامها وكونها محينة.

ولتعزيز الضمانات القانونية نصت المادة 12 من ذلك القانون على إلزامية الحصول على إذن مسبق من اللجنة الوطنية للقيام بالمعالجة في حالات محددة ، كأن يتعلق الأمر بالمعطيات الحساسة التي تكشف عن الأصل العرقي أو الإثني أو الآراء السياسية ، أو القناعات الدينية أو الفلسفية أو الانتماء النقابي للشخص المعني ، أو معطيات الجينية المرتبطة بالصحية... 

ولضمان التنزيل السليم لمقتضيات ذلك القانون ، أحدث المشرع آلية مؤسساتية من أجل السهر على احترام و حماية المعطيات الشخصية ، إذ نصت المادة 27 من القانون الصادر في 18 فبراير 2009 و المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي وإحداث اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية من أجل العمل على تنفيذ مقتضيات القانون ، وذلك عبر دراسة التصاريح و طلبات الإذن بالمعالجة و طلبات نقل المعلومات إلى الخارج ، كما تقدم آراءها للسلطات و المؤسسات التي تستشيرها في بعض المواضيع المحددة و المرتبطة بمجال المعطيات الشخصية ، و تتلقى وتعالج أيضا شكايات الأفراد.

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الأربعاء 2 نونبر 2022
في نفس الركن