عبد الله بوصوف
ولأنه ليس في السياسة صديق دائم ولكن مصلحة دائمة، فإن هذا يدفعنا للتساؤل حول مبررات تونس لهذا التصرف الجارح للشعور المغربي ، و لطعنة صديق من الخلف..؟ هل المقابل كبير إلى درجة نكران جميل المغرب سنة 2014 وتجول جلالة الملك محمد السادس بدون حراسة في شوارع تونس معلنا عنها كوجهة سياحية آمنة..؟ وهل الرئاسة التونسية مجبرة على تنفيذ تعليمات جنرالات قصر المرادية و تحديد من يستقبل الرئيس قيس السعييد ومتى.. وأين..؟
كل التحاليل مالت إلى أن الجزائر جعلت من تونس حديقة بيتها الخلفية، مستغلة بذلك وضعية تونس المشرفة على حافة الإفلاس، لكن هل الحصول على المال والطاقة هي الأسباب الوحيدة التي تدفع تونس للتحالف حتى مع الشيطان وتبربر هذه التبعية المذلة للجزائر..؟
نعتقد أن أحداث التاريخ شاهدة على استقلال تونس وبناء الدولة التونسية منذ مدة طويلة حين كانت الجزائر وقتها مجرد ايالة عثمانية أو مستعمرة فرنسية.. فتاريخ تونس هو تاريخ العلم والعلماء جامعة الزيتونة و ابن خلدون…هو تاريخ حضاري و تاريخي وإنساني تفتقر إليه الجزائر.. كما ان التاريخ يشهد ان الجزائر في عهد النظام العسكري/ السياسي ومنذ 1962 اقتطعت صحراء تونس أمام سكوت الحبيب بورقيبة وعندما تكلم مع بومدين علق حينها بورقيبة ” قلنا كليمة بتنا في الظليمة..” بمعنى أن الجزائر كانت دائما تضغط على تونس بكل الوسائل و بكل لغات التهديد ، و من ضمنها القوة العسكرية والطاقة و الغاز…
فبحث الجزائر الدائم عن لعب دور إقليمي هو حلم يراودها ويستنزف مدخرات الشعب الجزائري من عائدات الطاقة.. لذلك ومنذ مجيء عبد المجيد تبون في دجنبر 2019 فقد حاولت العودة من خلال الملف الليبي وملف سد النهضة بين مصر و دول أفريقية كما حاولت أن يكون لها دور في ملف جنوب الصحراء الساحل و أزمة مالي و غيرها…
لكن هذا لا يعني إجبار تونس أن تكون ظل الجزائر ، فهل يمكنها العيش بدون الجزائر..؟ صحيح أن تونس تعيش أوضاعا مالية صعبة وقدمت طلب قرض لدى البنك الدولي بقيمة 4 مليار دولار، كما طلبت مساعدات من دول خليجية لإنقاذها من الإفلاس.. لكن لماذا لم يقلب الرئيس قيس عناصر المعادلة بتوظيف ظروف الحرب في أوكرانيا و أزمة الغاز..؟ وهل تعلم تونس أنها رئة الجزائر و انه بدون تونس تختنق الجزائر..؟ فماذا سيكون عليه الأمر لو أعلنت تونس مثلا، إخضاع أنبوب الغاز نحو إيطاليا لأعمال الصيانة كما تفعل روسيا مع أنبوب ستيرم نورد 1…؟
إن توقف عمل أنبوب تونس ليوم واحد يكلف الجزائر مليارات الدولارات و يكلف ايطاليا وأوروبا نفس الكلفة.. وعندها سيهرول جنرالات الجزائر و معهم إيطاليا و الاتحاد الأوروبي محملين بالأموال والمساعدات فوق طابق من ذهب لتونس..؟ لأن أنبوب تونس هو القناة الجزائرية المتبقية التي تنقل الغاز نحو أروبا بعد إغلاق أنبوب المغرب وقطع العلاقات الاقتصادية مع إسبانيا و مشاكل في أنبوب ألميريا..؟ كما أن تونس أقوى من الجزائر باستقبالها حوالي مئات الآلاف من المرضى سنويا في مستشفياتها ، و يعيش على حدودها مئات الآلاف الجزائريين…وهي نقط قوة تونس لا ضعفها…فهل انصياع تونس هوعنوان ضعف القيادة التونسية ام هناك ملفات ضاغطة أخرى..؟
دعونا نتأمل ماذا وقع في سنة 2019، ففي الجانب التونسي توفي الرئيس “الباجي قائد السبسي” يوم 25 يوليوز 2019 بعد حادث تسمم ونجح قيس السعيد في الانتخابات الرئاسية أكتوبر 2019 مستفيدا من تفجير فضيحة تبييض الأموال ضد “نبيل القروي” امبراطور الاعلام التونسي والمرشح الاوفر حضا للرئاسة انداك و الحكم عليه في 8يوليوز 2019.
اما في الجانب الجزائري فقد اندلعت احتجاجات الحراك الشعبي في فبراير 2019 ضد العهدة الخامسة ” لعبد العزيز لبوتفليقة “، وموت مفاجئ لرئيس أركان الجيش الجزائري الفريق “احمد قايد صالح “في 23 دجنبر 2019 و كان قد استقال الرئيس بوتفليقة في ابريل 2019، وفي 19دجنبر 2019 سيُعلن “عبد المجيد تبون ” رئيسا للجمهورية الجزائرية…
كل هذا حدث في سنة 2019 مما جعلها مرحلة فاصلة في تاريخ الدوليتين، آكثر من هذا فمكر التاريخ يقول كلمته في عدة مناسبات أولها، ان الرئيس التونسي قيس السعييد ورث تراكم ثورة الياسمين لسنة 2011 كما ورث فترة مخاض و تعايش بين تيار الإسلام السياسي و التيار اللبيرالي..لكنه سيقوم بثورة مضادة في 25 يوليوز 2021 ومنح لنفسه سلطات واسعة بإقالته للحكومة وحل البرلمان ويطرح دستورا بديلا عن دستور 2014 وسط جدل قانوني و دستوري غير مسبوق..و أخضع له المجلس الأعلى للقضاء وغير من قانون الانتخابات..
كل هذا بدون سند شعبي أو سياسي أو عسكري تونسي..لكن يكفي ان نعلم أن “رمتان لعمامرة “ووزير الخارجية الجزائري زاره على عجل يوم 27 يوليوز و بعده صدور تصريح لقصر المرادية يمجد في علاقات البلدين في عهد الرئيسين تبون و قيس ، وكانت رسالة قوية كل معارضي الثورة المضادة للرئيس “قيس السعيد” من نقابات وأحزاب ونخب وشعب غاضب..بميلاد تحالف بين قوة عسكرية و طاقية جزائرية و أخرى وريثة لتراكم ثورة الياسمين..إذ كان قيس السعييد في حاجة الى مساندة خارجية..أمام المواطنين و الشركاء الغربيين…كما كان رئيس الجزائر يعيش عزلة بعد توثر العلاقات مع مع المغرب و فرنسا…
وثانيها، ان الرئيس تبون بدوره بنى فترة حكمه على أنقاض احتجاجات الحراك الشعبي وما عرفته من احتقان اجتماعي واعتقالات جماعية ولا استقرار سياسي، في المقابل قام نظام المرادية باطلاق سراح بعض معتقلي الحراك و تقديم بعض الإعانات كعربون على الاستجابة لبعض مطالب الحراك الشعبي…
المصدر : جريدة نقاش