تكنو لايف

التكنولوجيا و الانسان: خارطة طريق لتحقيق تنمية مستدامة في المغرب"


إن انخراط المغرب في الثورة الرقمية لا يمكن أن يُختزل في تبني التكنولوجيا الحديثة فقط، بل يجب أن يقوم على رؤية شمولية تدمج بين التقدم التقني والحفاظ على القيم الفكرية والإنسانية. فالتكنولوجيا، بما فيها الذكاء الاصطناعي، ليست مجرد أدوات تُستخدم لتحقيق أهداف مادية، بل هي وسيلة يمكن أن تساهم في تطوير الإنسان وتوسيع آفاقه إذا ما أُحسن توجيهها واستثمارها.



 
في ظل الطفرة التكنولوجية الحالية، بات من الضروري أن تُسخّر التكنولوجيا لخدمة الإنسان وليس العكس. يجب أن تكون السياسات الوطنية في هذا المجال مبنية على مبدأ الاستخدام الأخلاقي والمسؤول للذكاء الاصطناعي، من خلال وضع ضوابط واضحة تضمن عدم تأثير الخوارزميات على حرية الإنسان في التفكير واتخاذ القرارات. كما أن قدرة الأفراد على التمييز بين المعلومات الموثوقة والمضللة أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى، خصوصًا في عالم يشهد انتشارًا واسعًا لشبكات التواصل الاجتماعي وتأثيرها على السلوكيات الفردية والجماعية.
 
التعليم هو المحور الأساسي لأي نهضة رقمية مستدامة. وفقًا للإحصائيات الرسمية لعام 2023، يضم النظام التعليمي المغربي حوالي 7.5 مليون تلميذ في التعليم الابتدائي والثانوي، وما يقارب1.1 مليون طالب في التعليم العالي. ومع ذلك، فإن نسبة الأمية لا تزال تشكل تحديًا حيث تبلغ حوالي 26% من السكان البالغين.

رغم الجهود المبذولة، تشير البيانات إلى أن 44% فقط من المدارس المغربية تتوفر على بنية تحتية رقمية مناسبة، بما في ذلك الاتصال بالإنترنت والحواسيب، في حين أن النسبة في المناطق القروية أقل من 30%. هذا يعكس الحاجة الملحة إلى تعزيز الاستثمار في التكنولوجيا التعليمية، خاصة في المناطق النائية، لضمان تكافؤ الفرص وإدماج الجميع في مسار التنمية الرقمية.

لتحقيق توازن بين التنمية الرقمية والحفاظ على القيم الثقافية، يتعين على المغرب مضاعفة جهوده لتعزيز البنية التحتية الرقمية، زيادة الاستثمار في التعليم والبحث العلمي، وضمان شمولية المبادرات التكنولوجية. بهذه الطريقة، يمكن للمغرب تحقيق تحول رقمي مستدام يُبنى على الإنسان والقيم الإنسانية.
المغرب بحاجة إلى منظومة تعليمية تجعل التكنولوجيا جزءًا من العملية التعليمية، ولكن دون أن تحجب القيم الأساسية التي تُشكل هوية الإنسان. يجب أن تتحول المدارس والجامعات إلى فضاءات تُحفّز التفكير النقدي، وتُشجّع على الإبداع، وتُعدّ أجيالًا قادرة على مواجهة تحديات المستقبل بوعي ومرونة.
 
البحث العلمي يشكل بدوره ركيزة أساسية لتحقيق التميز في مجال الذكاء الاصطناعي. إذا أراد المغرب أن يكون فاعلًا حقيقيًا في هذا المجال، فعليه الاستثمار في تطوير مراكز الأبحاث وتشجيع التعاون بين الجامعات والشركات الناشئة.

 يحتل المغرب المرتبة 88 عالميًا في مؤشر الابتكار لعام 2023. بينما يساهم فقط بنسبة 0.8% من الناتج المحلي الإجمالي في البحث العلمي، وهو معدل أقل من المتوسط العالمي البالغ 2.3%. ويعد هذا الاستثمار غير الكافي أحد العوائق أمام تحقيق تقدم ملموس في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي

لكن هناك مؤشرات إيجابية؛ فالمغرب يضم حاليًا أكثر من 15 مركزًا للبحث في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، مع ازدياد التعاون بين الجامعات والشركات الناشئة. وقد أطلقت الحكومة عدة مبادرات لتشجيع الشباب على الانخراط في مشاريع تكنولوجية مبتكرة، مثل برنامج "Intelaka"*لدعم ريادة الأعمال.

هذا النهج لن يساهم فقط في تحسين الاقتصاد الوطني، بل سيضمن أيضًا استقلالية المغرب عن الهيمنة التكنولوجية للدول الكبرى.

رغم أهمية هذه التوجهات، يبقى التحدي الأكبر هو تحقيق توازن دقيق بين الاستفادة من الثورة التكنولوجية والحفاظ على الهوية الثقافية. التكنولوجيا، إذا استُخدمت بشكل غير مدروس، قد تؤدي إلى فقدان القيم الإنسانية التي تُشكل أساس المجتمع. لذلك، ينبغي أن تكون القيم الفكرية، مثل الحرية، العدالة، والتفكير النقدي، في صلب أي استراتيجية رقمية.

في النهاية، يُظهر تاريخ المغرب أن قوته تكمن في قدرته على التكيف مع التغيرات دون التخلي عن هويته. ومع ذلك، فإن التقدم التكنولوجي الذي لا يضع الإنسان في مركز اهتمامه سيظل ناقصًا. المطلوب ليس فقط اللحاق بالركب الرقمي، بل السير بخطى متوازنة تضمن بناء مواطن مفكر، مبدع، وقادر على مواجهة تحديات المستقبل بحكمة وإبداع. بهذه الطريقة، يمكن للمغرب أن يصبح نموذجًا عالميًا لتحقيق تنمية رقمية مستدامة قائمة على الإنسان والقيم الإنسانية.

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الأربعاء 20 نونبر 2024
في نفس الركن