كتاب الرأي

التغيير و الواقع المغربي المرتهن بعد مرور عقود كأداء


إن اكرولونجيا الأحداث السياسية في تاريخ المغرب المعاصر انطلاقا من توقيع عقد الحماية الفرنسية 1912 / بداية الاستعمار الإمبريالي، سيتم تقسيم البلاد إلى شمال و جنوب تحت حكم إسباني و وسط و غرب و شرق و أقصى الجنوب تحت السيطرة الفرنسية و مدينة طنجة منطقة دولية، فتوقيع عهد الحماية الفرنسية إذن هو ما يمكن اعتباره حداثيا بالتغيير الشامل سياسيا و اقتصاديا و إداريا و لغويا و ثقافيا، ما عدا ذلك هي فقط متغيرات أحداث تابعة لترسيخ نموذج التغيير الحداثي الاستعماري الإمبريالي الشامل و المفروض قهرا كطفرة مباغثة مفاجئة، ستشل كل قدرات المقاومة المسلحة المغربية و الطبيعية في الجبال و السهول التي سرعان ما ستخمد جدوتها قوى الاستعمار الغاشمة، فلم تترك إلا فرص التأقلم و التكيف مع الوضع الجديد الغريب على حساب ميئات الآلاف من الضحايا و الشهداء. و إفقار و تجهيل و تشريد شرائح واسعة من الشعب المغربي.



 أما محطة نهاية الكفاح المسلح سنة 1933 فهي تعني في منطق الحماية الفرنسية: ( التهدئة العامة ) في جميع مناطق البلاد سهولها و جبالها و إخضاعها الشامل لسيطرة الاستعمار، الذي ستستتب  له الأمور و سيشرع بتطبيق خططه الطويلة الأمد منها إصدار الظهير البربري الذي، رغم مقاومته من طرف السلطان و علماء الأمة و زعمائها الوطنيين و جميع فيئات الشعب في المدن و القرى و الجبال و السهول بقراءة اللطيف في المساجد،  مازلت آثاره مستمرة حتى الآن بهدف طمس الهوية الأصلية المغربية و زعزعة و إضعاف الجبهة الداخلية للبلاد.


و يأتي الحدث الثاني البارز تاريخيا و سياسيا انطلاقا من موائد مؤتمر << إيكس ليبان >> التي  سيحضرها إلى الجانب الفرنسي مجموعة من الأعيان  ( عملاء ) و بعض الشخصيات الوطنية؛ في غياب تام للسلطان الشرعي محمد بن يوسف و الزعيم السياسي علال الفاسي لكونها مبدعين بالمنفى، و سيتم في إطار ما سمي تشبيها ب ( المفاوضات ) و في تغييب تام لما نص عليه عقد الحماية خصوصا في ما يتعلق بخريطة المغرب الجغرافية الأصلية التي أقرها قبلا المؤتمر الدولي بالجزيرة الخضراء سنة 1906م،    فسيتم باتفاق ضمني بلا ريب مع إسبانيا أن تقر  فرنسا الاستعمارية رجوع الملك الشرعي محمد بن يوسف إلى عرشه و منح المغرب ستقلالا منقوصا بإبقاء جزر و أراضي مغربية شاسعة بالشمال و في الجنوب تحت السيطرة الإسبانية و أراضي في  أقصى الجنوب و أقصى الشرق تحت السيطرة الفرنسية غير محررة و غير مسترجعة حتى الآن ما عدا سيدي إفني و طرفايا و إقليمي الساقية الحمراء و وادي الذهب،  فستشهد ( مفاوضات ) مؤتمر إيكس ليبان، الذي قاومه رفضا الزعيم علال الفاسي من المنفى،  أكبر مؤامرة على تقسيم البلاد و انتزاع أطراف شاسعة من وحدتها الترابية شمالا و شرقا و جنوبا و تشتيت وحدة القبائل بإقامة فرنسا الاستعمارية حدودا تعسفية من جانب واحد... ناهيك عن فرضها شروط اقتصادية مجحفة على الشعب المغربي  و ضامنة في المقابل ترسيخ و استمرار المصالح الاستعمارية لفرنسا و عملائها، بلا أدنى مقاومة تذكر لقرن من الزمن الاستعماري الجديد و القابل للتجديد طبعا لأسباب موضوعية متعددة و محفزة لذلك منها أساسا ثقل المديونية الخارجية و تراجع و اندحار الطبقة الوسطى و اتساع دائرة هوامش الفقر و الهشاشة و تفشي القلالاقل الاجتماعية و السخط الشعبي بسبب تغول الريع و الخوصصة و الغلاء الفاحش و تقهقر نسبة النمو الإقاصادي للبلاد...


. هذا إذن فالحدث التاريخي القادم سيتجلى في محاولة تجديد شروط الإذلال و المهانة مع غياب تجديد  قوى التغيير المحلية  و بالتالي غياب الفاعل الشعبي سياسيا و فكريا على المستويين الوطني و الدولي ذي الكاريزما و الزخم الشعبي الوطني  الذي يمكن له أن يرافع و يفاوض الآخر بقوة و حصانة سياسية و فكرية إلى جانب العاهل المغربي و تحت قيادته و مشورته أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده. و لذلك فإن الظروف الحالية مواتية للدعوة إلى تجديد ميثاق و وطني بين الملك و القوى لوطنية التاريخية الحية و الحقيقية بالبلاد على غرار الميثاق المبرم سابقا بين المغفور له جلالة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه و بين القوى الوطنية لمواجهة الاستعمار و العمل على تحرير البلاد و تنميتها.


ذلك أن قوى التغيير الوطنية الكلاسيكية في المشهد السياسي الراهن لا يختلف إثنان في كونها تتسم حاليا بالضعف و البلقنة و محاولتها اليائسة للانتعاش و الاستمرار كأطلال أمجاد ماضية  بسبب تحولها إلى دكاكين انتخابية فقط و ارتهانها بقيم عددية مادية للتهافت على الفوز بالإستحقاقات الإنتخابية في جانبها النفعي الإنتهازي مقابل  تخليها عن قيمها الفكرية و التفريط في أسباب قوتها الحقيقية ( مبادئها التاريخية و مناضليها الأوفياء ) و تجميد  آلياتها التنظيمية بعدم تشغيلها  في عمليات التأطير و التنشيط الثقافي و الفكري كمشتل لإنتاج أطر و مناضلين شباب خدمة للمصالح العليا للوطن.

 هذا، دون أن ننسى ما يشكله ارتباط المغرب الحداثي عضويا بفرنسا و تبعيته لها المفروضة ( باتفاقيات مؤتمر إكس آيبان ) في كثير من نواحي السياسة و الاقتصاد  و الثقافة و اللغة و التعليم و القوانين الإدارية و العقارية و الجنائية،... من فرامل كابحة لأي إرادة وطنية  للتغيير، إلى جانب تأثره بالهزات السياسية و الاقتصادية العالمية في ظل ضعفه التنموي و المقاولاتي و عدم قدرته على منافسة الاقتصاديات العالمية القوية و الشركات المتعددة الجنسيات العابرة للقارات. 

فأي محاولة إذن لإحداث صدمة التغير العميق و الجذري ستكون مغامرة غير محسوبة العواقب... 
و رغم ذلك فإن إحداث صدمة التغيير العميق تعد لا محالة ضرورة لا بد منها بشرط التريث و الحكامة الجيدة من طرف الجميع ( ملكا و شعبا و أحزابا و طنية و مجتمعا مدنيا ) لإحداث التغيير و التحرر الكامل و الشامل. فمهما كان الثمن غاليا فإن نتائجها مؤكدا ستعود بالنفع و الخير العميم على البلاد و العباد سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا.على المدى المتوسط و البعيد...

و ختاما و بمناسبة الموضوع أعلاه أقترح عليكم  من أشعاري قراءة القصيدة التالية:

  

شباب و سحاب و قمر

كخيول البراري الطوامح 
نوابغ الشباب جامحة
طليقة تأبى لجمَ الرقاب
من خلف لاآت الكوابح
ترقى صهوة الموجِ و الرياح
و هالةَ البدر فوق السحاب

 
أحلام الشباب حرة تهوى 
رسمَ الشمس و خدود الأصيل
في سمر الليالي و الأسحار
في مجاهلَ الفكر و السؤال
ما السماء.. و ما الأرض و الأشجار 
و ما البحار إذا غــابت الأقمار 

أيانا من تخاليق العمران
و قيم الإنسان والعبر
بينما المال فقط و الأحجار
و دموع لم تعرف معنى الأحزان

كلواعج الثأرِ كالأسرارِ
شعوب تبلْوَرت في الأغوار
كَسبات لمَقدم الإعصار
كالأجيال
كثورة الأشعار

رأيت الحب دمعة باسمة
كانبجاس نور فجر دلوع
في أحداق ربيع و ربوع
ودادا و جموعا سواعدا 

رأيت رداد هيج البحار
هتافات غغيرة كالهدير
ثم توارت نزوعا للغروب
بين حنين و ليل طروب
بين تباشير مجد سليل
و إشراقات ربيع قحيل
               
بقلم:  علي تونسي

استمع لهذه القصيدة الموسيقية


سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الأربعاء 31 يوليو/جويلية 2024
في نفس الركن