حياتنا

التعليم، الزواج والهجرة : ثلاثية تُقيّد استقلالية الفتيات القرويات


في مايعرف بالمغرب العميق ، يُحسم مستقبل الفتاة في سنوات مراهقتها الأولى. ضعف الوصول إلى التعليم، الزواج المبكر، والهجرة نحو المدن، هي ثلاثية قاتلة تحرم ملايين الفتيات القرويات من تحقيق الاستقلالية الاقتصادية. التقرير الأخير للمندوبية السامية للتخطيط (مارس 2025) يكشف بوضوح عن هذه الحلقة المقفلة من التهميش التي تبدأ مبكرًا… ولا تنتهي أبدًا بسهولة.



أول العوائق: الهدر المدرسي، فرغم تعميم التعليم الابتدائي نسبيًا في القرى، إلا أن الانقطاع عن الدراسة يتسارع مع المرحلة الإعدادية. ففي عام 2018، لم يتجاوز معدل ولوج الفتيات القرويات للثانوي الإعدادي 40%، بينما انخفض المعدل في الثانوي التأهيلي إلى حوالي 12% فقط.

هذه الأرقام تعكس قطيعة حقيقية مع مبدأ تكافؤ الفرص. من بين الأسباب: بُعد المؤسسات، كلفة التنقل واللوازم الدراسية، والأهم من ذلك الأعراف الاجتماعية التي تقلل من قيمة تعليم الفتاة. في حين أن التعليم يظل هو المفتاح الأساسي للتمكين الشخصي والمهني.

العائق الثاني: الزواج المبكر. رغم ارتفاع سن الزواج تدريجيًا بين ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، إلا أنه عاد للانخفاض بعد 2010. ففي عام 2024، يبلغ متوسط سن الزواج الأول للفتاة القروية 23 سنة، مقابل 25,4 سنة في المدن. وفي بعض المناطق المعزولة، قد تتزوج الفتاة في سن 16 أو أقل. هذا الزواج المبكر يوقف الدراسة، ويحد من فرص التشغيل، ويُدخل الفتاة مبكرًا في دائرة التبعية والعبء الأسري.

العائق الثالث: الهجرة نحو المدن. مع غياب فرص الشغل المؤهل في المناطق القروية، تهاجر كثير من الفتيات نحو المدن بحثًا عن بديل. لكن بدون شهادة، وبدون شبكة دعم، يجدن أنفسهن في أعمال هشة وغير مهيكلة، أغلبها في الخدمة المنزلية أو القطاع غير الرسمي. هذه الهجرة تُفرغ القرى من طاقات نسائية شابة، لكنها لا تضمن للفتيات حياة كريمة أو مستقبلًا واعدًا.

ظاهرة "النيات" (NEET: غير متمدرسات، غير عاملات، غير في تكوين) تعبّر بوضوح عن حجم الإقصاء: في عام 2019، 61,8% من الفتيات القرويات بين 15 و29 سنة كنّ خارج كل منظومة إدماج. أغلبهن متزوجات، بدون شهادة، وملتزمات بأشغال منزلية لا تُقدَّر ولا تُعترف بها. هذا الرقم يدق ناقوس الخطر: كم نخسر من الإمكانيات البشرية بترك هؤلاء الشابات خارج عجلة التنمية؟

للتصدي لهذه الإشكالات، يقترح التقرير حلولًا ملموسة: توفير النقل المدرسي والإيواء الداخلي، تأخير سن الزواج، تعميم التكوين المهني في العالم القروي، وخلق فرص عمل محلية موجهة للفتيات. هذه الحلول لا يمكن أن تنجح إلا ضمن مقاربة متكاملة.

فكل فتاة تُحرم من مستقبلها، هي طاقة وطنية تُهدَر. تعليم الفتاة القروية، حمايتها، وتثبيتها في أرضها، ليست فقط مسؤولية أخلاقية… بل استثمار في مستقبل البلاد

المغرب العميق، الفتاة القروية، ضعف التعليم، الزواج المبكر، الهجرة نحو المدن


عائشة بوسكين صحافية خريجة المعهد العالي للإعلام… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الأربعاء 26 مارس 2025
في نفس الركن