كتاب الرأي

التحولات التي عرفتها منطقة الشام " ميزوبوتاميا "


من كرونولوجية تكوين الدولة إلى مرفولوجية المجتمع في إطار الاستغرافية الراهنية ؟؟وتحقيق الديمقراطية في ظل الوضع السوري الجديد….أية آفاق .؟؟؟



بقلم : الدكتور مصطفى بلعوني، باحث متخصص في التاريخ المعاصر والراهن

منطقة الشام الكبرى أو منطقة الأنهار الكبرى أو أن شئتم منطقة "الميزوبوتاميا "  في ظل التسمية القديمة في التاريخ القديم .موقعها شمال غرب القارة آسيا وشمال شرق البحر المتوسط والشرق الأوسط كما سماه الإنجليز تقع شمال تركيا وجنوب الأردن وشرق العراق وغرب لبنان وفلسطين .وقد مرت الأقوام منها الآشوريين والكلدانيين والسريان والأرمن والاراميين تم الشركس في دمشق والأرمن في حلب وريف اللاذقية والقامشلي والأكراد في المناطق الشمالية الشرقية والشمالية  في ريف حلب إلى الحدود مع تركيا .

في حين أن سوريا كانت تسمى قديما "ابرناري " وتعني عبر النهر وهي تسمية ترجع إلى الآشورية عام   612 قبل الميلاد.

وقد ظهرت اسم سوريا في عهد الامبراطورية السلوقية التي ظهرت خلالها بهذا الاسم  وقيل أن اسمها جاء من كلمة "ساريا "  

السومرية حيث تم نحت الكلمة مع مرور الزمن حتى أصبحت تسمى سوريا .وقد حكمها الرومان والبيزنطيين .حيث انتهى حكمهم على يد الفتوحات الإسلامية في زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في معركة الجسر الحديدي بقيادة الصحابي أبو عبيدة الجراح عام 637 للميلاد وسميت بهذا الاسم لأنها وقعت قرب جسر حديدي كان يعبر نهر العاصي وانتهت دولة البيزنطيين نهائيا وحل محلها الحكم الإسلامي حيث سيطر بنو أمية. عليها وكونوا إمبراطورية  امتدت الى الأندلس في عهد عبد الرحمن الداخل بن هشام الأموي وقد دامت من 661 الميلاد الى عام 750 للميلاد ..وقد عرفت انقساما لا مثيل له  وتحولت إلى دويلات وإمارات كما استقل الغرب الإسلامي. تم الأندلس. 

وتكونت اهم الإمارات السلجوقية والحمدانية وسيطروا الزنكيون الذين وحدوا شمال البلاد من سوريا. كما تعرضت سوريا إلى الحملات الصليبية وانطلقوا من انطاكيا في اتجاه دمشق الذي تم احراقها وتدميرها من طرف هولاكو. عام 1285 م في معركة عين جالوت التي هزم فيها الجيش المغولي من طرف الجيش الإسلامي بقيادة السلطان خوارزم شاه سيف الدين قطز .عام 1268م أي 658 للهجرة  كما تعرضت بلاد الشام إلى الغزو المغولي التتري بقيادة تيمورلنك عام 1400م .الذي حاول السيطرة على دمشق وحاصرها ودمر ريفها وتفاوض مع الفقهاء والعلماء والأعيان بتسليمها مقابل الأمان ..لكن الحاكم المملوكي في مصر السلطان فرج بن برقوق انطلق لنجدة بلاد الشام ودمشق من القائد المغولي الثائر تيمورلنك فاصطحب معه الوجهاء والعلماء والقضاة والفقهاء إلى دمشق وعسكروا إلى جانبها .

خاصة أن القائد المغولي ات من الهند بعدة غنائم ومدجج بالسلاح .لكن السلطان برقوق عاد إلى مصر مخافة من انقلاب عليه .في وقتها كلف المؤرخ والدبلوماسي عبد الرحمن بن خلدون بهذه المهمة والذهاب إلى مجلس تيمورلنك وقدم له نفسه بصفته قاض قضاة المالكية وتقدم يرتدي كذلك زيا تقليديا مغربيا البرنص من من نوع الصوف للخروف العسلي  والجلباب الأبيض المرصع بالحرير الناعم وعمامة بيضاء بلف أخضر وبلغة من الجلد الأصيل صفراء .حيث سأله تيمورلنك انت من بلاد المغرب احكي لي على مدنها وأهلها. وأعطاه ابن خلدون هدية ثمينة هي عبارة عن كتاب ألفه ابن خلدون  عن شخصية هذا القائد المغولي وخصاله وشجاعته تم تحدث فيه  عن أحوال المغرب  عن مدنه    وعاداته وأمر القائد المغولي بترجمته من ترجمانه   .وقد تجاوب تيمورلنك مع السفير المغربي ابن خلدون وقد اطمئن   عن عدم دخول دمشق وفك الحصارعليها  ونجح أبن خلدون في مهمته الدبلوماسية  .ورجع تيمورلنك إلى سمرقند في عام 1404 وأثناء الطريق أصابه مرض عضال  وتوفي عام 1405 م .

وفي السياق ذاته انتهى حكم الممالك لبلاد الشام عام 1516 م أثناء المعركة التي جرت مع العثمانيين التي سميت بمعركة  مرج دابق .سيطر فيها العثمانيون على بلاد الشام وجزيرة العرب واليمن ومصر والجزائر وتونس وليبيا.

واستعصى عليهم الدخول إلى المغرب الأقصى لأنه كانت توجد به دول قوية .جرب العثمانيون  ذلك ووصلوا إلى ضواحي فاس لكنهم انهزموا في معركة وادي اللبن. عام 1558 م أمام قبائل "الحياينة" حيث التف عليهم وابادتهم عند قنطرة الوادي التي هدمتها القبيلة لقطع خط الرجعة والإمدادات عن الجيش العثماني.  حيث تبعد عن فاس بثلاثين كلم والتابعة لمحافظة (إقليم ) تاونات ..وقد خضع العالم الإسلامي إلى الامبراطورية العثمانية بدعوى  حمايته أكثر من أربع قرون إلى أن وقع تحول في الوضع العالمي وخاصة الأوروبي من قبل النهضة الأوروبية والثورات العلمية والصناعية والتجارية وقبلها الاستكشاف الجغرافي واحتياج الاقتصاد الأوروبي إلى  المعادن والمناجم والأسواق. وبدأت التحرشات الأوروبية ودعم الخلافات والصراعات في الوطن العربي من أجل الاطاحة بالعثمانيين .وظهور حركات قومية عربية ضد العثمنة .وبدأت تطالب بالاستقلال عن الإمبراطورية العثمانية  حيث كانت  الثورة العربية الأولى عام 1916 في سوريا  وهي السنة التي. عقدت فيها  اتفاقية سايكس- بيكو السرية لتقسيم الوطن العربي وقد فضحت هذه الاتفاقية الروس أثناء الثورة البلشفية سنة 1917 م والتي أبرمت في غفلة عن العرب والتي تزامن مع وعد بلفور سنة 1917م الذي أعطى وعدا لليهود للقيام بوطن قومي لهم بفلسطين (بلفور وزير خارجية بريطانيا ) ... 

وقام الأمير فيصل بن الحسين  الانسلاخ عن الحكم العثماني عام 1918م بدعم بريطاني -فرنسي  وانتهى هذا الحكم الذي دام قرابة أربعة قرون .وأصبحت تركيا تلقب من طرف الدول الأوربية بـ"الرجل المريض " وخاصة عندما شاركت إلى جانب دول الوفاق  في الحرب العالمية الأولى عام 1914 م والتي أدت إلى القيام بثورات و تمردات ضد الحكم العثماني في المنطقة العربية واستغل الأوروبيون الوضع لإذكاء النعرات  ضد العثمانيين الذي انهزموا في الحرب العالمية الأولى عام 1918م، وفرضوا بموجب مؤتمر فرساي عام  1920 استقلال سوريا تم الانتداب الفرنسي عليها .إلى غاية 1946م  استقلال سوريا كدولة عربية بقيادة الملك فيصل بن الحسين .ستدخل سوريا في مرحلة جديدة .

هذه المنطقة تعتبر منطقة جذب تتوسط العالم طوال التاريخ قديمه ووسيطه وحديثه ومعاصره ورهنه   باعتبارها مناطق خصبة مرت منها أقوام كبرى وخاصة المجتمعات النهرية .وكانت تسمى منطقة الهلال الخصيب .تم احتوائها على المياه الدافئة الصالحة للملاحة طول السنة .فإن أي تمديدات لبعض الأقوام أو الامبراطوريات كانت هذه المنطقة مستهدفة .ولهذا لم يستطع البيزنطيون والرومان والوندال أو الدول الشرقية .التي  جاءت من هضبة إيران..أو التتار أو المغول والتركمان  من منطقة الأناضول .أو آسيا الصغرى لم  تمكث كثيرا في هذه المنطقة .وفي ظل انتشار الإسلام الذي انتشر أي الإسلام السني الذي تجاوز في ظل الفتوحات الإسلامية  المنطقة .

أن كرونولوجية  المسار التاريخي لبلاد الشام أو سوريا بعد الوقوف عليه تجرنا إلى معرفة مورفولوجية المجتمع وتشكيلاته للوقوف عن الأوضاع الحقيقية لأطياف السياسية أو المذهبية أو العرقية .أو الدينية بمختلف نواميسها . وهكذا أن الإسلام السني يكاد يكون منتشرا في كل مناطق سوريا ومحافظتها ويشكل أكثر من 74 في المائة من السكان .كما أن المسلمين  السنة موزعين كذلك بين عرقيات  الأكراد والتركمان والشركس والشيشان  ويشكل العرب غالبية المسلمين السنة .كما أن الطائفة العلوية التي تشكل تقريبا 17 في المائة من مواطني سوريا والتي تستقر على طول  المدن الساحلية ويسيطرون على الشريط الساحلي بكاملها  من دمشق واللاذقية وطرطوس..تم الزنكيين الذين يستقرون شمال سوريا .وهم مسلمون ولكن تغلب عليهم العصبية العرقية الزنكيةاو يسمى بـ الأتابكة وهم عرب سنة جاؤوا إلى سوريا بعد ان  تمددت إمارة الاتابكة بالموصل  ويوجد فيهم بعض الاقلية الشيعية وخاصة الإسماعيلية. أما المسيحيون العرب توجد لهم عدة كنائس في دمشق وحلب وأنطاكية .ويمارس شعارهم منذ القدم بكل حرية تم عصبية الدروز الذين يستوطنون  جبل الشيخ والجولان إلى شرق لبنان .أما الأرمن والارمنيين يشكلون أقلية لا تتعدى  2 في المائة من سكان.سوريا .أما المذاهب الإسلامية  بوجود كل المذاهب وخاصة الاباضية والاثني عشرية من الشيعة الجعفرية والزيدية والإسماعيلية والتي كانت تتكئ عليها إيران في التدخل في سوريا أما المسيحية الارتودوكسية فكانوا يعتبرون مجالا حيويا للروس .ولهذا عندما استقلت سوريا سنة 1946 م في عهد الملك فيصل بن الحسين .استطاعت أن توحد كل الأطياف والطوائف العرقية  .والدينية في ظل مجتمع واحد في إطار الوحدة الوطنية في سيادتها على كل مجالها الترابي .

وبعد وصول حزب البعث العربي  إلى السلطة عن طريق ايديولوجية التي نظر لها ميشل عفلق وهي القومية العربية في ظل النظام السياسي الشمولي الذي يعتبر الحزب البعث العربي  الاشتراكي رأس الدولة والمجتمع أي .في سنة 1963 م .كما أن الحركة التصحيحية  التي جاءت سنة 1970 والتي اوصلت الطائفة العلوية إلى السلطة في شخص حزب البعث العربي الاشتراكي والاعتماد على العلويين في الحكم وخاصة في الدوائر العليا ومفاصل الدولة من خلالها همشت العرقيات والأطياف الأخرى  واستفرد آل الأسد  بالحكم وخاصة في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. وتحولت الأسرة السياسية إلى نظام الوراثة وهذا أغضب الكثير من فعاليات الثقافية والسياسية في المجتمع السوري  مع العلم على أن النظام السياسي "علماني "  ولكن غياب الديمقراطية وترقية طائفة تشكل أقلية في المجتمع أثار حفيظة الأطياف والعرقيات والأقليات الأخرى. بالرغم من أن الأيديولوجية المذهبية السياسية تتناقض مع الواقع السياسي بالرغم من وجود مؤسسات ومفاصل الدولة ودستور وبرلمان نيابي كل ذلك يأتي من الطائفة العلوية بل يتعدى السيطرة على مناصب كبار الجيش..الذين يشكلون القوة الضاربة للنظام . وبعد نجاح الثورة السورية التي أطاحت "بنظام الأسد " بكل مكوناتها ومرجعياتها الدينية والوطنية والديمقراطية ..أن الكفيل يكمن في خلق حوار وطني كورش كبير يشارك فيه الجميع بدون إقصاء لأي اتجاه مذهبي  أو عنصر فئوي أو عرقي .والترفع عن الانتقامات المضادة .وتستفيد من التاريخ والحضارة لكي تكون نموذج.للدولة المدنية يستجيب دستورها لكل المكونات ويكون عبارة عن تعاقد مجتمعي للشعب والدولة .في أفق تحقيق الديمقراطية والتنمية . 

سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الأربعاء 5 مارس 2025
في نفس الركن