بقلم : عادل بن حمزة
أردوغان نجح في إحداث تحول كبير في خطاب وممارسة الحركة الاسلامية في تركيا منذ وصوله وحزبه إلى السلطة عبر نتائج انتخابية مبهرة تمثل في الحقيقة تاريخ الحزب، وقد تميزت مسيرة أردوغان بمواجهة اعلامية وقيمية مفتوحة ومعلنة مع الغرب، بمناسبة أو بدونها، ولعل أبرز تلك المواجهات التي طبعت العلاقات التركية الغربية كانت على خلفية القرار القضائي/السياسي التركي بتحويل متحف آية صوفيا إلى مسجد، كانت تلك المواجهة تعبيرا فقط على التوترات الممتدة والتي ستستمر بين الدولة العثمانية الجديدة وبين من يعتبرون، دون أن يصرحوا بذلك، أن الاتحاد الأوربي هو في الواقع نادي مسيحي مغلق، تتعزز هذه القناعة عندما نستحضر أن دول الاتحاد اعترضت على انضمام تركيا وذلك بعد أن فرضت شروطا كثيرة عليها، بينما في المقابل، قبلت ذات الدول بلدان المعسكر الشرقي سابقا، باقتصادات ضعيفة جدا عكس الاقتصاد التركي، وكل من كان يدور في فلك الاتحاد السوفيتي السابق، وها نحن نتابع ما يقدمه الأوربيون لأوكرانيا في صراعها مع روسيا، علما أن تركيا كانت مؤهلة أكثر من غيرها للإنضمام إلى الاتحاد، ويظهر واضحا أن مسألة الهوية الدينية وتبعاتها الثقافية، كانا عاملين حاسمين في موضوع الانضمام للاتحاد، علما أن تلك المفاوضات الطويلة جرت قبل وصول حزب العدالة والتنمية وزعيمه أردوغان للسلطة، إذ لم يشفع لتركيا كونها حليفا للغرب في حلف النيتو وواجهة كانت دائما متأهبة في مواجهة المعسكر الشرقي بزعامة السوفيات .
قد نختلف أو نتفق مع القرار التركي، لكن ردود الفعل التي صدرت، كانت مبالغ فيها بشكل كبير، خاصة تلك التي صدرت عن الدول الأوربية، فإذا كانت تلك الدول اختارت التحذير من النزعة الإسلاماوية لأردوغان وحزبه، فإن الواقع يشهد أن سياسات إقصاء تركيا من الفضاء الأوربي في العقود الماضية، عززت تلك النزعة ولم تترك للأتراك غير هويتهم الدينية والقومية، كخط دفاع أخير لصيانة كرامتهم التي تم إذلالها في أشواط من المفاوضات الطويلة مع الأوربيين، فالرفض الأوربي ساهم في تعزيز الهوية التركية ببعدها العثماني، حيث سعى الأتراك إلى إعادة إكتشاف بعد أساسي من هويتهم، تعسف عليه في لحظة من لحظات الهزيمة الراحل كمال أتاتورك، هذا البعد هو البعد الإسلامي الذي جعله كمال، بعد إعلان نهاية نظام الخلافة الإسلامية، مجرد بعد من بين أبعاد أخرى محددة للهوية التركية بل وبعدا هامشيا ليس إلا، ومثلت محاولات كسر هذا البعد الثقافي والهوياتي، فرصة لصعود لافت لظاهرة أردوغان ومعه حزب العدالة والتنمية، الذي نجح في ما فشلت فيه الحركة الاسلامية في تركيا منذ منتصف السبعينات، ألا وهو عدم الاصطدام مع المؤسسة العسكرية، وعدم المس بالهوية العلمانية للمجتمع والدولة، وعدم خلق بنية حزبية منغلقة إيدولوجيا والرهان الكلي على تحقيق النجاح الاقتصادي وإستقطاب حلفاء جدد بخلفيات برغماتية وليست إيديولوجية محضة، فتحقق لأردوغان بهذه الوصفة السحرية، ما لم يتحقق لمن سبقوه من قادة الاسلام السياسي في تركيا، أما على المستوى الإقتصادي، فإنه حقق معجزة غير مسبوقة مما ضاعف مناصريه ممن لا يتقاسمون معه بالضرورة خلفيته الإيديولوجية، لكن الربح يقودهم ...
قبل سنوات بدا أن أردوغان يعيش تضخما كبيرا في «الأنا»، و بدأ يتحرر كثيرا من المحاذير التي طوق بها نفسه بخصوص خلفيته الإيدولوجية وظهر ذلك جليا في كثير من القوانين التي تؤطر المجال العام، كما أن تراكم النجاحات الانتخابية الباهرة، أنسى أردوغان بأن الديمقراطية ليست فقط حكم الأكثرية، بل هي أساسا الضمانات التي تتوفر للأقلية، ويمكن القول على هذا المستوى وعلى مستوى حرية التعبير، أن تركيا بدأت تنحدر في إتجاه السلطوية والاستبداد منذ فترة طويلة بشكل يعيد إنتاج تجربة بوتين في روسيا، و شكل «قرار» أردوغان تغيير طبيعة النظام السياسي في البلاد، من برلماني إلى رئاسي بعد إستنفاده عدد الولايات المسموحة له في رئاسة الحكومة، وتمكينه في المقابل من ولايتين جديدتين كرئيس للدولة بإختصاصات كاملة، كل ذلك تحقق بعد بسط نفوذه الكلي والمطلق على حزب العدالة والتنمية،أولا، وعلى مفاصيل كثير في هياكل الدولة، فكثير ممن واكبوا معه مرحلة تأسيس مشروع العدالة والتنمية غادروا مركبه.
لقد أثبتت الممارسة أن المعارك المواجهة المفتوحة التي خاضها ويخوضها أردوغان مع الغرب بصفة خاصة ، هي عملية محسوبة بعائدها الانتخابي، حيث يراهن أردوغان على الفوز فيها دائما، وهي مواجهة مشحونة بالعواطف ومجييشة للمشاعر، وهو كل ما يطلبه أردوغان للفوز، لكن ليس الرئيس التركي هو فقط من يسعى للفوز بعائد هذه المواجهة، بل حتى أولائك الذين ينتقدونه أفرادا وجماعات. اليوم طوت تركيا صفحة الانتخابات التشريعية والرئاسية ومنحت الفوز مجددا لحزب العدالة والتنمية، لكن يبقى السؤال عن مابعد أردوغان وهل يستطيع هذا الأخير تحضير خليفة له أم أن جموح السلطة سيمنعه من ذلك؟ .
قد نختلف أو نتفق مع القرار التركي، لكن ردود الفعل التي صدرت، كانت مبالغ فيها بشكل كبير، خاصة تلك التي صدرت عن الدول الأوربية، فإذا كانت تلك الدول اختارت التحذير من النزعة الإسلاماوية لأردوغان وحزبه، فإن الواقع يشهد أن سياسات إقصاء تركيا من الفضاء الأوربي في العقود الماضية، عززت تلك النزعة ولم تترك للأتراك غير هويتهم الدينية والقومية، كخط دفاع أخير لصيانة كرامتهم التي تم إذلالها في أشواط من المفاوضات الطويلة مع الأوربيين، فالرفض الأوربي ساهم في تعزيز الهوية التركية ببعدها العثماني، حيث سعى الأتراك إلى إعادة إكتشاف بعد أساسي من هويتهم، تعسف عليه في لحظة من لحظات الهزيمة الراحل كمال أتاتورك، هذا البعد هو البعد الإسلامي الذي جعله كمال، بعد إعلان نهاية نظام الخلافة الإسلامية، مجرد بعد من بين أبعاد أخرى محددة للهوية التركية بل وبعدا هامشيا ليس إلا، ومثلت محاولات كسر هذا البعد الثقافي والهوياتي، فرصة لصعود لافت لظاهرة أردوغان ومعه حزب العدالة والتنمية، الذي نجح في ما فشلت فيه الحركة الاسلامية في تركيا منذ منتصف السبعينات، ألا وهو عدم الاصطدام مع المؤسسة العسكرية، وعدم المس بالهوية العلمانية للمجتمع والدولة، وعدم خلق بنية حزبية منغلقة إيدولوجيا والرهان الكلي على تحقيق النجاح الاقتصادي وإستقطاب حلفاء جدد بخلفيات برغماتية وليست إيديولوجية محضة، فتحقق لأردوغان بهذه الوصفة السحرية، ما لم يتحقق لمن سبقوه من قادة الاسلام السياسي في تركيا، أما على المستوى الإقتصادي، فإنه حقق معجزة غير مسبوقة مما ضاعف مناصريه ممن لا يتقاسمون معه بالضرورة خلفيته الإيديولوجية، لكن الربح يقودهم ...
قبل سنوات بدا أن أردوغان يعيش تضخما كبيرا في «الأنا»، و بدأ يتحرر كثيرا من المحاذير التي طوق بها نفسه بخصوص خلفيته الإيدولوجية وظهر ذلك جليا في كثير من القوانين التي تؤطر المجال العام، كما أن تراكم النجاحات الانتخابية الباهرة، أنسى أردوغان بأن الديمقراطية ليست فقط حكم الأكثرية، بل هي أساسا الضمانات التي تتوفر للأقلية، ويمكن القول على هذا المستوى وعلى مستوى حرية التعبير، أن تركيا بدأت تنحدر في إتجاه السلطوية والاستبداد منذ فترة طويلة بشكل يعيد إنتاج تجربة بوتين في روسيا، و شكل «قرار» أردوغان تغيير طبيعة النظام السياسي في البلاد، من برلماني إلى رئاسي بعد إستنفاده عدد الولايات المسموحة له في رئاسة الحكومة، وتمكينه في المقابل من ولايتين جديدتين كرئيس للدولة بإختصاصات كاملة، كل ذلك تحقق بعد بسط نفوذه الكلي والمطلق على حزب العدالة والتنمية،أولا، وعلى مفاصيل كثير في هياكل الدولة، فكثير ممن واكبوا معه مرحلة تأسيس مشروع العدالة والتنمية غادروا مركبه.
لقد أثبتت الممارسة أن المعارك المواجهة المفتوحة التي خاضها ويخوضها أردوغان مع الغرب بصفة خاصة ، هي عملية محسوبة بعائدها الانتخابي، حيث يراهن أردوغان على الفوز فيها دائما، وهي مواجهة مشحونة بالعواطف ومجييشة للمشاعر، وهو كل ما يطلبه أردوغان للفوز، لكن ليس الرئيس التركي هو فقط من يسعى للفوز بعائد هذه المواجهة، بل حتى أولائك الذين ينتقدونه أفرادا وجماعات. اليوم طوت تركيا صفحة الانتخابات التشريعية والرئاسية ومنحت الفوز مجددا لحزب العدالة والتنمية، لكن يبقى السؤال عن مابعد أردوغان وهل يستطيع هذا الأخير تحضير خليفة له أم أن جموح السلطة سيمنعه من ذلك؟ .