أصبح الجميع يتَّفق حتى الذي تعوَّد أنْ يُنافق، أنَّ الوضْع الثقافي في بلدنا مُوجِع لا يَسُر عدُوّاً أو حبيباً، كيف لا ومن يَملكون سُلطة الحَلِّ والعَقْد من خلال التَّدبير المُؤسَّساتي للشَّأن الثقافي، قد أحْرقوا المسافة الفاصلة بين القول والفِعل، وتجاوزوا التقارير الكاذبة، إلى بسْط الخشبة أمام المَلأ لِتصْعد التَّفاهة بأرْجُلها الأربع كي تقول الكلمة، ويَا لها مِن لَكْمة للجمهور حين ينْقلب الغناء إلى شتيمة وثغاء، يا لَها من لكْمة لِكل برامج النموذج التَّنْموي على جميع الأصْعِدة، من التَّعْليم مُروراً بالثقافة والفنون والرياضة إلى أنشطة الشباب والتَّخْييم، وهل ثمة أفظع من أنْ ينكشف الغطاء في الشارع العام، عن نموذج غير نموذجي فاقدٍ للقيمة ويُهيِّجُ الذُّباب، أطالب منذ الآن بحِصَّتي أو دوْختي من الحشيش، فأنا لا أحْتمل أنْ أبقى بكامل قِواي العقلية، بيْنما ثمَّة من كل همّه هو الضَّرْب على العقول بقِطع الزَّلِّيج البَلْدي أو الرُّومي، تماما كما تُجَصَّصُ بعض القبور بالرخام، وما علينا في الحالتين إلا أن نصيح: لا حياة لِمنْ تُنادي !
ولا أعجب إلا مِمَّن يرْفع عقيرته بالشَّكوى من تردِّي المُحتوى الثقافي، خُصوصاً ذلك الذي يَصْنعُه مَنْ يُسَمّون زُوراً مُؤثِّرين في شبكات التواصل أو التَّكاسل الاجتماعي، فَهُم يتصيَّدون بِضاعةً لا تتجاوز حدود التَّرْفيه ولو كانت تسْتعرض بالأدْمُع المآسي، ولا يَهُمُّ على أي لغة أو أتانٍ يركب هذا المُحتوى (الثقافي)، هل الفرنسية أو الإنجليزية أو هما معاً محشُوّان كالنّقانق في اللغة العربية، وعِوَض أن تسْمع خِطاباً مُتوازناً من حيث صياغة الأفكار، يتصادى في أذنيكَ ما يُشبه نقِيق الضَّفادع، إنَّه يا صديقي خِطاب الشارع الذي لا يقوى على هضْم أو استيعاب الأفكار، ولكنَّه يدور كالرَّحى بصخب الأحْداث لِضَمان تواصُلٍ أوْسَع، ومَنْ يَجْرُؤ على مُغَالطة الواقع وينْزَع عن هذا المحتوى صِفته الثقافية، ألَمْ تَرَ أنّه يجري مع الرِّيق على أطراف كل الألْسُن، بل مِمَّ العجب وزبْدة هذا المحتوى مُتمخِّضة من اللَّبَن الحامِض لِذاك المحتوى الذي صَنعه النظام التربوي بالروسيكْلاج أو إعادة الإنتاج، مِمَّ الشَّكوى وقد جَنوا مع أرباح وفيرة ثمْرة ما زرعوا من بُذور سمجة تُسيِّدُ نظام التَّفاهة، أليْس يتساوى في استعمال أدوات التقنية الأمِّيُّ مع المُتعلِّم، بلْ ثمَّة من لا يفْقه حرفاً ولكنه بارعٌ في تطويع كل تطبيقات الهاتف كأصابع يده، ألَمْ تَعْرِضْ بعض القنوات العربية فيديوهات صَوَّرَها مُواطنون عاديون، وارتفعتْ أسْهُم تأْثيرها في بورصة الأنْفُس حاصدةً أعْلى المُشاهدات بالملايين، أيُّ دور إذاً بقي لمعاهد الإعلام بعد أن انخرط الجميع في لُعبة مُواكبة الحدث، ثمة دائماً هاتفٌ في الجيْب وبَثٌّ مُباشِر من عين المكان رغْم أنْف الهواء!
لِنقُل إنَّ «نظام التفاهة» بنُزوعاته الرأسمالية الشَّرِهة سرق الأضواء، أصبح هو الثقافة السَّائدة، هو النَّمط الأعلى الذي يُشكِّل مُريدُوه الأغْلبية في المجتمع، ولأنَّ الزَّبد تَمدَّد بالرداءة حتى كاد يحجُب كل كفاءة، كان لابُد من صرخة فكرية تُجلْجل في الأنْحاء، والغريب أنَّ هذه الصَّيْحة انبعثت من جوف فيلسوف كندي، مِمَّا يُؤشِّر إلى أنَّ التَّردِّي الثقافي لم تَسْلم من آفته حتى الدول المُتقدِّمة، ولكن مع تفاوت في بعض العادات الاجتماعية، قد تتَّسِع هُوَّته أو تضيق من بلدٍ لآخر وما أكثر ما تتطوَّر العاهات!
لا أُصدِّق أنَّ «آلان دونو» اتَّخذ من كندا مَرْجِعاً لانبثاق صرخته التي أفْرغَها في مؤلفه التَّنْويري «نظام التفاهة»، كيف والكتاب مفتوح دائما في أوروبا بالميترو والمقهى وغُرف النَّوم، في السفر والمُسْتقر، بينما عندنا لا يتثاءب إلا دقائق طيلة السنة، ولنْ أنسى أبداً «تقرير التنمية الثقافية» للعام 2011 الذي أصْدرته «مؤسسة الفكر العربي»، ما زالت غُصَّته عالقةً كالشَّوْكة في حَلْقِي، هل يُعْقل أنَّ المُواطن العربي لا يتجاوز في القراءة (6) دقائق سنوياً بينما يقرأ الأوروبي بمعدَّل (200) ساعة سنوياً، وثمة أيضاً «تقرير التنمية البشرية» المُخَصَّص لعام 2003، وكانت قد أصْدرته اليونسكو، يُخبرنا أنَّ المُواطن العربي يقرأ أقل من كتاب.. لم أفْهَم في البدء المغزى من هذه العبارة الإحصائية، ولكن سُرعان ما تذكرتُ أنَّ الكثيرين في المغرب، يحبون احتساء القهوة (نصف - نصف)، فوجدتُ بعض العَزاء، بل الأدْهى أن يَنْكَأ التقرير الجراح وهو يُمْعِنُ في الإيضاح، قال إنَّ كل (80) شخصاً يقرأون كتاباً واحداً في السَّنة، بينما يقرأ المُواطن الأوروبي حوالي (35) كتاباً في السنة، يا لهول الفرْق بين السماء والأرض رغم أن هذه الأخيرة موطئ أقدام كل سكان العالم، الأجْدر بـ«آلان دونو» أن يُعَدِّل عنوان كتابه بصيغة إسْقاطية تتناسَبُ مع الواقع المُتخلِّف للمجتمع، أنْ يُحدِّد مَوْطن تفشِّي سياسة التجهيل ولا يُعمِّم الخيبة كي لا تصبح هيِّنة في الأنفس، أليْس في نظامنا الإجتماعي فقط تتَّسِع طبقة التَّافِهين لتُهيْمِن على مواقع صُنْع القرار، أليْس عندنا فقط تُكَافَأ الرَّداءة نظير تفاهتها بأرفع المناصب وأرقى الأوْسِمة، بينما الإنسان الذي يتحلَّى بالجِدِّية والنُّبوغ تجدُه مَرْكوناً في الهامش !
أَوَ ليْس من المُنْصِف في هذا الوضْع غير الثقافي الموْبُوء، أنْ أحصُلَ على دوختي من الحشيش، عساني أحلِّق بعيداً بتفكيري وأمُدُّ عِوض أجْنحِة الدخان الرِّيش !
ولا أعجب إلا مِمَّن يرْفع عقيرته بالشَّكوى من تردِّي المُحتوى الثقافي، خُصوصاً ذلك الذي يَصْنعُه مَنْ يُسَمّون زُوراً مُؤثِّرين في شبكات التواصل أو التَّكاسل الاجتماعي، فَهُم يتصيَّدون بِضاعةً لا تتجاوز حدود التَّرْفيه ولو كانت تسْتعرض بالأدْمُع المآسي، ولا يَهُمُّ على أي لغة أو أتانٍ يركب هذا المُحتوى (الثقافي)، هل الفرنسية أو الإنجليزية أو هما معاً محشُوّان كالنّقانق في اللغة العربية، وعِوَض أن تسْمع خِطاباً مُتوازناً من حيث صياغة الأفكار، يتصادى في أذنيكَ ما يُشبه نقِيق الضَّفادع، إنَّه يا صديقي خِطاب الشارع الذي لا يقوى على هضْم أو استيعاب الأفكار، ولكنَّه يدور كالرَّحى بصخب الأحْداث لِضَمان تواصُلٍ أوْسَع، ومَنْ يَجْرُؤ على مُغَالطة الواقع وينْزَع عن هذا المحتوى صِفته الثقافية، ألَمْ تَرَ أنّه يجري مع الرِّيق على أطراف كل الألْسُن، بل مِمَّ العجب وزبْدة هذا المحتوى مُتمخِّضة من اللَّبَن الحامِض لِذاك المحتوى الذي صَنعه النظام التربوي بالروسيكْلاج أو إعادة الإنتاج، مِمَّ الشَّكوى وقد جَنوا مع أرباح وفيرة ثمْرة ما زرعوا من بُذور سمجة تُسيِّدُ نظام التَّفاهة، أليْس يتساوى في استعمال أدوات التقنية الأمِّيُّ مع المُتعلِّم، بلْ ثمَّة من لا يفْقه حرفاً ولكنه بارعٌ في تطويع كل تطبيقات الهاتف كأصابع يده، ألَمْ تَعْرِضْ بعض القنوات العربية فيديوهات صَوَّرَها مُواطنون عاديون، وارتفعتْ أسْهُم تأْثيرها في بورصة الأنْفُس حاصدةً أعْلى المُشاهدات بالملايين، أيُّ دور إذاً بقي لمعاهد الإعلام بعد أن انخرط الجميع في لُعبة مُواكبة الحدث، ثمة دائماً هاتفٌ في الجيْب وبَثٌّ مُباشِر من عين المكان رغْم أنْف الهواء!
لِنقُل إنَّ «نظام التفاهة» بنُزوعاته الرأسمالية الشَّرِهة سرق الأضواء، أصبح هو الثقافة السَّائدة، هو النَّمط الأعلى الذي يُشكِّل مُريدُوه الأغْلبية في المجتمع، ولأنَّ الزَّبد تَمدَّد بالرداءة حتى كاد يحجُب كل كفاءة، كان لابُد من صرخة فكرية تُجلْجل في الأنْحاء، والغريب أنَّ هذه الصَّيْحة انبعثت من جوف فيلسوف كندي، مِمَّا يُؤشِّر إلى أنَّ التَّردِّي الثقافي لم تَسْلم من آفته حتى الدول المُتقدِّمة، ولكن مع تفاوت في بعض العادات الاجتماعية، قد تتَّسِع هُوَّته أو تضيق من بلدٍ لآخر وما أكثر ما تتطوَّر العاهات!
لا أُصدِّق أنَّ «آلان دونو» اتَّخذ من كندا مَرْجِعاً لانبثاق صرخته التي أفْرغَها في مؤلفه التَّنْويري «نظام التفاهة»، كيف والكتاب مفتوح دائما في أوروبا بالميترو والمقهى وغُرف النَّوم، في السفر والمُسْتقر، بينما عندنا لا يتثاءب إلا دقائق طيلة السنة، ولنْ أنسى أبداً «تقرير التنمية الثقافية» للعام 2011 الذي أصْدرته «مؤسسة الفكر العربي»، ما زالت غُصَّته عالقةً كالشَّوْكة في حَلْقِي، هل يُعْقل أنَّ المُواطن العربي لا يتجاوز في القراءة (6) دقائق سنوياً بينما يقرأ الأوروبي بمعدَّل (200) ساعة سنوياً، وثمة أيضاً «تقرير التنمية البشرية» المُخَصَّص لعام 2003، وكانت قد أصْدرته اليونسكو، يُخبرنا أنَّ المُواطن العربي يقرأ أقل من كتاب.. لم أفْهَم في البدء المغزى من هذه العبارة الإحصائية، ولكن سُرعان ما تذكرتُ أنَّ الكثيرين في المغرب، يحبون احتساء القهوة (نصف - نصف)، فوجدتُ بعض العَزاء، بل الأدْهى أن يَنْكَأ التقرير الجراح وهو يُمْعِنُ في الإيضاح، قال إنَّ كل (80) شخصاً يقرأون كتاباً واحداً في السَّنة، بينما يقرأ المُواطن الأوروبي حوالي (35) كتاباً في السنة، يا لهول الفرْق بين السماء والأرض رغم أن هذه الأخيرة موطئ أقدام كل سكان العالم، الأجْدر بـ«آلان دونو» أن يُعَدِّل عنوان كتابه بصيغة إسْقاطية تتناسَبُ مع الواقع المُتخلِّف للمجتمع، أنْ يُحدِّد مَوْطن تفشِّي سياسة التجهيل ولا يُعمِّم الخيبة كي لا تصبح هيِّنة في الأنفس، أليْس في نظامنا الإجتماعي فقط تتَّسِع طبقة التَّافِهين لتُهيْمِن على مواقع صُنْع القرار، أليْس عندنا فقط تُكَافَأ الرَّداءة نظير تفاهتها بأرفع المناصب وأرقى الأوْسِمة، بينما الإنسان الذي يتحلَّى بالجِدِّية والنُّبوغ تجدُه مَرْكوناً في الهامش !
أَوَ ليْس من المُنْصِف في هذا الوضْع غير الثقافي الموْبُوء، أنْ أحصُلَ على دوختي من الحشيش، عساني أحلِّق بعيداً بتفكيري وأمُدُّ عِوض أجْنحِة الدخان الرِّيش !