آخر الأخبار

أشرف الحساني يكتب: التفكير في التراث


يلعب التراث دوراً كبيراً في رسم ملامح فنية مغايرة بالنسبة لأيّ بلدٍ. ذلك إضافة إلى كونه يُعتبر عامل جذب بالنسبة للآخر، فهو يلعب دوراً مميّزاً على مُستوى تكريس الهوية الوطنية للشعوب. خاصّة حين يتعلّق الأمر ببلدٍ مثل المغرب، له باع طويل في تاريخ الفكر البشري وسياحة طويلة في تاريخ الحضارات التي تعاقبت عليه، بما يجعله مُجتمعاً مُركّباً يُقدّم في الأساس على أنّه من البلدان الغنيّة على مُستوى التراث.



في كلّ مدينة مغربيّة، يحضر التراث، سواء في شقّه المادي المُتعلّق بالآثار والمعمار وغيرها أو بشقّه اللامادي المتعلّق بالقصص والحكايات والألعاب والأمثال ذات الصبغة الشعبيّة. فالتراث حاضرٌ بشكل أو بآخر داخل الحياة اليوميّة، ويلعب دوراً محورياً في حياة الناس. سواء العاملين في مجال الصنائع التقليدية من خزف ونسيج أو مع الفنانين التشكيليين الذين يستلهمون دائماً التراث المغربي داخل أعمالهم الفنّية. بل إنّ بعض المدن باتت لا تُقدّم نفسها إلاّ من خلال هذا الرأسمال الرمزيّ مثل مراكش ومكناس وفاس وغيرها. فهذه المدن بحكم تاريخها الضارب في قدم الحضارة المغربية، تستغلّ تاريخها وذاكرتها لترسم صورة مختلفة ومغايرة لحياتها الراهنة. بهذا المعنى، ليس التراث شيئاً ميّتاً أو جامداً، بل هو كائنٌ حيّ يحاول عبر امتدادات الزمن أنْ يعيش، أنْ يشغل يوميّات الناس، ويدفعهم بطريقة غير مباشرة إلى الاهتمام بما يمليه عليهم من تغيّرات وتحوّلات.
 

نحتاج اليوم في حمأة هذه التحوّلات التي تطال البلد في علاقته بدول الجوار، إلى ضرورة التفكير في التراث ومباهجه. إذْ رغم مظاهر الاهتمام من طرف الجهة الثقافية الوصيّة على الشأن التراثي عبر التنقيب والترميم، لا نتوفّر اليوم على نوعٍ من الأبحاث النظرية والميدانية منها التي تعمل على التفكير في براديغم التراث. يأخذ التفكير في التراث من خلال تجلياته الراهنة صبغة التقليد والسلفية، فالتراث كما يتمثّله البعض يقودهم إلى الانغماس في غيبوبة الماضي، فبدل أنْ يعمل هذا النوع على تفكيك التراث، والحفاظ على ما يُمكن أنْ يخدم حياتهم الراهنة على مُستوى التفكير والإبداع، يُصبح تفكيرهم سجيناً في الماضي وعوالمه. إنّ التفكير في الحاضر من خلال العودة إلى الماضي، لا يكون دائماً عامل جذب بالنسبة للباحث، ذلك لأنّ التفكير في إشكالات الراهن ينبغي أنْ يكون عبر أدوات الراهن لا أكثر.


سارة البوفي كاتبة وصحفية بالمؤسسة الإعلامية الرسالة… إعرف المزيد حول هذا الكاتب



الثلاثاء 6 فبراير 2024
في نفس الركن